عوائق الانتقال المدني الديمقراطي في السودان !

0

عبد القادر دقاش

كان الجندي جوزيف آثر أنكره الذي انقلب على نكروما في العام 1966 حاضرا عندما خاطب الرئيس الغاني كوامي نكروما الجيش في الأكاديمية العسكرية في أكرا عام 1961 قائلا: ينبغي عليكم منح الثقة للحكومة وتأييدها دون نقاش أو نقد فهي تفعل الأصلح للدولة، وإنه من واجب الجندي أن لا يوجه النقد أو يحاول التدخل بأي شكل في الأمور السياسية للدولة. وإن عليه أن يترك هذه المهمة للسياسيين فهم الأقدر عليها، وعليه فإن الحكومة تتوقع من الجيش في جميع الأحوال أن يكونوا طوع أمرها وفي خدمة شعبها بإخلاص.

وباستنثاء بوتسوانا وموريشوس وجنوب أفريقيا وتونس التي تمكنت من تحييد المؤسسة العسكرية  تكاد تكون كل جيوش الدول الأفريقية تتدخل بصورة مباشرة في الحياة السياسية عبر الانقلابات العسكرية ضاربة بالحكم المدني أو السيطرة المدنية على الجيش عرض الحائط. ويمكن عزو ذلك إلى نقص وضعف فعالية  الحكم المدني الذي لا ينهض على مؤسسات قوية تكون قادرة على بسط سيطرتها على المؤسسة العسكرية. كما يؤدي ضعف السلطة المدنية إلى إيجاد نمط غير متوازن في العلاقات المدنية والعسكرية التي اعتراها الشك وعدم الثقة منذ أن عمدت كثير من أنظمة الحكم إلى التعويل على الجيوش في الاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة، وتحويل مؤسسة الجيش بحسبانها المؤسسة الوطنية إلى مجرد أداة من أدوات البطش يستخدمها الحاكم أو الحزب الشمولي لتحقيق رغباته أو رغبات الحزب في المحافظة على المصالح وقمع المعارضين. وأحدث هذا التوظيف السياسي للجيوش فجوة كبيرة بينها وبين شعوبها.

كذبة ديسمبر

وبعد ثورة ديسمبر في السودان حاولت الأحزاب التي تحالفت لأسقاط نظام الإنقاذ تفعيل مفهوم خضوع العسكريين للمدنيين أو السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية ويقصد من ذلك إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة أو تحييدها على أقل تقدير من التدخل في  أمور السياسة أو التحزب لأي جهة سياسية وتوظيف الآلة العسكرية لخدمة حزب بعينه ..وهو مفهوم سياسي مطلوب لكنه نظر إليه نظرة تبسيطية أوردته في غير سياقه ووضعته في غير مكانه، لأنه أولا: من غير الممكن قيام حكم مدني بمؤسسات قوية من دون وجود دولة قوية بجيش موحد قوي وهذا لايصدق على حالة السودان الذي ما تزال دولته تقليدية قائمة على علاقات نخبوية تتحالف مع  عصبيات مختلفة ومتنافرة.  ولأنه ثانيا: يماهي بين الدولة والسلطة ويختزل الدولة في السلطة والفرق بين الاثنين عظيم.

ومما سبق يمكننا أن نشير إلى تعذر انتقال السودان من حالة العسكرة السياسية إلى مدنية الدولة وذلك لتراجع مكانة وهيبة الأحزاب السياسية التقليدية والحديثة على حد سواء عن الفعل السياسي وضعفها أو إضعافها في حقبة الإنقاد التي امتدت إلى ثلاثين عاما..وفشل الاحزاب المتحالفة عقب سقوط الإنقاذ من ضمان حياد المؤسسة العسكرية باعتبارها مؤسسة مهنية محترفة لا تتجاوز صلاحيتها المخولة لها في الدستور. حميدتي (آدم سيد الرايحة)

 

 

يقال إنك إذا أردت القيام بانقلاب عسكري فما عليك إلا أن تحصل على مفاتيح مستودع الأسلحة وتتجه خارج الثكنات للسيطرة على محطة الإذاعة ثم إلقاء القبض على شخص الرئيس عندئذ تدين لك الدولة كلها. وهذا ما يفعله الانقلابيون في كل الدول..وهو ما فعله البرهان ونائبه (المتمرد) حميدتي في الخامس والعشرين من اكتوبر من العام 2021 مما أدخل البلاد في دوامة بعد خروجها من دوامة طويلة عاشتها في حقبة الإنقاذ..وها هي الآن تخوض دوامة أطول وأصعب بتمرد وزير البرهان الذي جاء به ليشد به ازره ويشركه في امره.. ومن دون الخوض في كيفية مجيئ حميدتي وبلوغه كل هذا النفوذ إلا أنه يمكننا القول أن حميدتي أدرك في قرارة نفسه أن القوة العسكرية هي التي تحكم وأن المجد في النياشين وأنه يمكنك أن توظف الساسة المدنيين فيما بعد.. هكذا فعل النميري وكذلك فعل البشير وهو ما يريد أن يفعله البرهان..والمسألة في نهاية الأمر (شختك بختك)..وبغض الطرف عمن أغرى حميدتي بهذه القفزة الخطيرة في ظلام الانقلابات إلا أن الرجل استخدم ذات المفردات التي يعد بها العسكريون المدنيين..وهي وعود خادعة كاذبة.. وحميدتي الذي رفعه البشير درجة لحمايته ثم رفعه البرهان درجات لحمايته أيضا ومكنه من مفاصل الدولة، أغرته قوته أو أغراه آخرون كما أغرى ود الضهراوي ابن اخته آدم سيد الرايحة (في قصة: زهاء الطاهر) حاثا أياه أن يقوم  بإنقلاب عسكري حتى يرفع راس أهله وقبيلته وعشريته فوق القبائل:  ( يا أدومة ناسك ديل ياهم ريسوك وعملوك أوزباشا كبير وعريض مالك يا ود بتول لغاية هسع ما قمتا بإنقلاب، إنشالا إنقلاب فاشل يا سجم الرماد، على الطلاق يا أدومة أمك الغبشة دي كان …

dagash_ahmed@yahoo.com

قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com