تفاصيل الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية

0
نخصص في المحور السابع عشر من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية والمحلية، نخصص هذه المقالة لمتابعة تفاعلات الجيوسياسي لأمن القرن الأفريقي الذي يعتبر موقعًا استراتيجيًا مهمًا، فدول القرن الأفريقي تطل على المحيط الهندي، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر؛ حيث مضيق باب المندب، وكذلك تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصةً تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة، فضلًا عن امتلاك دول القرن الأفريقي موارد غنية بالثروات الطبيعية والمعدنية، سواءً النفط أو الذهب أو اليورانيوم أو الغاز الطبيعي، وتمتلك المنطقة ثروة مائية هائلة تجعلها أحد أكبر مخازن المياه، لذلك ظلت كل المتغيرات على المستوى الماضي والحاضر والقادم تتجه نحو تغذية الصراعات بالمنطقة، وأصبحت واحدة من موازين القوى الإقليمية والدولية، لاعتبارات جيوبولوتيکية واستراتيجية، باعتبارها معبر وشريان رئيسي للتجارة الدولية، نتيجة امتداد معابرها المائية من باب المندب وصولًا للبحر الأحمر، كما تعتبر ممرًا للتحركات الأمنية لبعض القوى الكبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، كما حظيت المنطقة باهتمام مجموعة من القوى الدولية كالولايات المتحدة وروسيا والصين لما تمثله من عمق استراتيجي ومنبع ثرواتي ضخم يجعلها أحد أبرز المناطق أهمية على مستوى العالم، وتقدر إحصائيات حجم التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر بـ 700 مليار دولار سنويًا، كما يُقدر عدد السفن العابرة سنويًا بأكثر من 20 ألف سفينة. هنالك أكثر من 2 مليار برميل من النفط يُنقل سنويًا.عبر هذا الممر البحري. حيث تنقل أوروبا حوالي 60% من احتياجاتها للطاقة عبر هذا الممر، كما تنقل الولايات المتحدة عبر البحر الأحمر حوالي 25% من احتياجاتها النفطية، وفي فترة الاستعمار تأثر القرن الأفريقي (إريتريا وأثيوبيا وجيبوتي والصومال والسودان وجنوب السودان) بعدد كبير من الحروب الأهلية بين الدول، وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ حدثت تغيرات في ملامح القرن الأفريقي؛ أدت إلى إعادة تشكيل أثيوبيا والسودان وإنشاء دولتين جديدتين– إريتريا 24 مايو 1993م وجنوب السودان (9 يوليو 2011م)– الأمر الذي تشكل معه حاجة الدول غير الساحلية کأثيوبيا وجنوب السودان للنظر في طرق بحرية بديلة مما شكل منطقة مضطربة ومعرضة لتحديات الصراع. كما أدت التدخلات الخارجية وظهور ما يسمى بالقوى الصاعدة إلى تفاقم نمط القوة، والسياسة في المنطقة، والملاحظ في الصراعات الدائرة في القرن الأفريقي بجانب التدخلات الاستعمارية، وظهور فواعل جديدة بالمنطقة، فقد أدت التوترات الناجمة عن النزاعات الحدودية في المنطقة هي الأخرى إلى تأجيج الصراع في المنطقة، حيث أدت الطبيعة غير المحددة للحدود في القرن الأفريقي إلى حربين شديدين في المنطقة، وهما حرب (1977-1978) بين الصومال وأثيوبيا، ثم حرب (1998-2000) بين إريتريا وأثيوبيا، مما نتج عنهما نزوح كبير داخل البلدان وعبر الحدود، في ذات الوقت ساعدت العوامل السياسية والاقتصادية والإقليمية والتاريخية والأيديولوجية والبيئية على إحداث التوترات بين دول المنطقة مما ولد نوع من العداء والتنافس وعدم الثقة المتبادل بين دول المنطقة، وقبل نحو عامان كتبت ورقة بعنوان (القرن الأفريقي .. صراع الموانئ) أشرت فيها إلى تحول القرن الأفريقي إلى ساحة تنافس محموم بين الفاعليين الرئيسيين على المستوي الإقليمي والدولي حيث يسعى كل طرف لشد أحدى دول المنطقة إلى دائرة حلفائه، وانطلقت قراءتنا للمشهد من خلال التحركات السياسية لتلك الدول، وتدخلاتها الاقتصادية التي تهدف من خلالها (جني ثمار) ومكاسب سياسية، وتجارية واقتصادية، وللنظام المدحور شراكة إلى استراتيجية طويلة الأمد مع الصين، وتمتعه بدعم قوي من روسيا أحد داعميه الرئيسيين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، تابعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى (مشاركة تدريجية) مع النظام البائد في الخرطوم، حيث تعاملت مع السودان كشريك في مكافحة الإرهاب والهجرة، والتجارة، وغيرها.
دبلوماسية الموانئ:
التنافس الخليجي- الخليجي، انعكس علي دول القرن الأفريقي حيث تمت إعادة اكتشاف الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة، والتي عرفت مؤخرًا بـ(دبلوماسية الموانئ)، حيث أصبح هدف الحصول على إدارة الموانئ، وإنشاء القواعد العسكرية، واستئجار الموانئ من الدول الواقعة على ساحل الغربي للبحر الأحمر- من مظاهر الأزمة الخليجية، وفي هذا الإطار وقعت الإمارات‏ العربية المتحدة عبر ذراعها الاقتصادية شركة (موانئ دبي العالمية)، في ديسمبر2015م، اتفاقًا مع جمهورية (أرض الصومال) لتطوير ميناء (بربرة)، غير أنها كشفت في مارس 2018عن اعتزامها إنشاء قاعدة عسكرية هناك بدون موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وهو ما فجّر أزمة دبلوماسية مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وتم نقل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية، في وقت تسيطر فيه أبوظبي على موانئ مصوع وعصب الأريتيريين، إلى جانب السيطرة على ميناء عدن باليمن، وهناك الانخراط التركي تجاه القرن الإفريقي والبحر الأحمر على وجه الخصوص، والشاهد علي ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أروغان إلى السودان، والتي شملت أيضًا تشاد وتونس في ديسمبر 2017، حيث وقّع مع النظام البائد اتفاقًا لإعادة ترميم جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر شرق السودان.
محفزات:
(1) الموقع الجغرافي المتميز للمنطقة وقربها من مصادر النفط الخليجي حفز العديد من الدول الخليجية على رأسها السعودية، والإمارات للتوجه نحو المنطقة من أجل تأمين صادراتها النفطية عن طريق تكثيف علاقاتها، وتقويتها مع دول القرن الأفريقي، ومحاولة تعزيز دعم استقرار المنطقة، كذلك محاولة الإشراف على عدة موانئ بحرية في المنطقة، وذلك على نحو قيام الإمارات بتأجير والإشراف على ميناء عصب في أريتريا وميناء بربرة في الصومال.
(2) تشكل إيران وتحركاتها في المنطقة خطرًا كبيرًا على أمن كل من السعودية الإمارات، حيث تحاول إيران الهيمنة على اكبر قدر من المنافذ البحرية بالبحر الأحمر، وذلك لتأمين صادراتها من السلاح والنفط ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من المواد الخام المتوافرة بشدة في المنطقة خاصة اليورانيوم، كذلك محاولة تقويض النفوذ الخليجي وخاصة السعودي، مما دفع بكل من السعودية والإمارات إلى اتباع سياسات أكثر فاعلية من أجل مواجهة التمدد الإيراني عن طريق زيادة وتكثيف التعاون مع دول المنطقة، وتوقيع اتفاقيات ثنائية، ومذكرات تفاهم مشتركة مع دول المنطقة. كما بذلت كل من السعودية والإمارات جهود من أجل تحجيم الأذرع الإيرانية الساعية إلى السيطرة على مضيق باب المندب.
(3) وبناء على المتغيرات السياسية، والدولية اتخذت المملكة العربية السعودية، والإمارات في الفترة الأخيرة خطوات مهمة صوب القارة الأفريقية، ونشطت لوأد النفوذ الإيراني في القارة، وتنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، وذلك من خلال اتباع استراتيجية بعيدة المدى لبناء علاقات ثقة متينة مع الدول الإفريقية، ودعم وتعزيز استقرار منطقة القرن الأفريقي.
(4) تعاني منطقة القرن الأفريقي بشدة من الإرهاب مثل حركة شباب المجاهدين في الصومال، ففي ديسمبر 2015 تم الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات، وسارعت عدة دول أفريقية لتأييد هذا التحالف والانضمام له لمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وجماعاته، وقد انضمت دول من القرن الأفريقي..
(يتبع)…
قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com