التسوية… الحقائق والاكاذيب والاسئلة قراءة في البنية والنصوص

0

(2) الإصلاح العدلي والقضائي

كالعادة سؤال الكيفية يفرض نفسه فكيف سيتم إصلاح المنظومة العدلية القضائية، ومن سيقوم بذلك؟ وهل سيتحقق اصلاح حقيقي في المؤسسات العدلية والقضائية، يمكنه ان يقود لتحقيق العدالة.؟
يتطابق الاتفاق الإطاري، ومشروع الدستور الانتقالي، في النصوص فيما يتعلق بانشاء مجلس عدلي مؤقت، مع اختلافهما في العدد بين تسعة واحد عشر عضوا، هذا المجلس العدلي المؤقت ستوكل اليه، مهام جسيمة الا وهي اختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس واعضاء المحكمة الدستورية، وينتهي اجل هذا المجلس المؤقت بمجرد اكماله مهمته الموكلة اليه، لم يتطرق مشروع الدستور الانتقالي، للجهة المناط بها اختيار أعضاء المجلس العدلي المؤقت، رغم الاهمية القصوى لذلك، لكن الاتفاق الإطاري، أوضح ان المجلس سيتم تكوينه بواسطة الاطراف الموقعة على الاعلان السياسي والدستور الانتقالي، أي أن من سيختار اعضاء هذا المجلس العدلي،المناط به القيام بأخطر مهام الفترة الانتقالية، هو ذات قوي الهجين الإطاري، الذي تسود فيه قوي الثورة المضادة، من الكيزان و فلول النظام، و القوى السياسية الحليفة له، وحركات اتفاق سلام جوبا المؤيدة الانقلاب العسكري، اضافة لقوى الهبوط الناعم المكونة لقحت. وكما سيحدث في كل الاجسام والمؤسسات التي سيكونا هذا الهجين، فان تركيبة المجلس الشديد الاهمية والحساسية، ستعكس بشكل مباشر طبيعة تكوين ومصالح وانتماءات وأهداف من كونوه.

وهنا تتكشف اكثر فاكثر خطورة وأهداف هذه التسوية، كونها هي الخطوة المكملة، للانقلاب الذي قام به المكون العسكري، فهدف التسوية هذه هو استبدال وجود العسكر المرفوض تماما في السلطة، التي استولوا عليها لتقويض الثورة، بالهجين الإطاري المكون كما اوضح المقال من إسلامي الحركة الاسلاميين ورثة النظام، وحلفائه ومؤيدي الانقلاب العسكري إضافة لقوى الهبوط الناعم، ليشارك هذا الهجين بشكل دستوري ودائم في حراسة بنية ومصالح النظام وادواره، بل سيكون أشد حرصا وأكثر كفاءة في حراسة تلك المصالح من العسكر، بحكم سيطرته الدستورية على السلطات الثلاث التشريعي والتنفيذية والقضائية، وحتى على الأجهزة والهيئات المستقلة التي سيتم تكوينها خلال الفترة الانتقالية القادمة، كالمفوضيات وديوان المراجع العام وبنك السودان.
. النصوص كما وردت

الاتفاق الإطاري (مجلس عدلي مؤقت من 11 عضوا من الكفاءات الوطنية القانونية، بواسطة الاطراف الموقعة على الاعلان السياسي والدستور الانتقالي، لاختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس واعضاء المحكمة الدستورية، يعتبر محلولاً بانتهاء مهمته.)

مشروع الدستور الانتقالي/المادة 56(1) ( ينشأ بقرار من “رئيس مجلس الوزراء” مجلس مؤقت من تسعة قانونيين” مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية، يختص بتعيين رئيس القضاء ونوابه، وتعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، والنائب العام ومساعديه.).

تحدثت كلا الوثيقتين، عن انشاءمجلس القضاء العالي، ومجلس اعلى للنيابة العامة، دون تحديد الجهة التي ستقوم باختيار أعضاء المجلسين، لكن بالتأكيد، سيكون تكوينه انعكاسا لذات المعادلة والتوازن التي يتكون منه الهجين الإطاري، والمكون من الكيزان وحلفاء النظام وداعمي الانقلاب وقوي الهبوط الناعم .

(11)

(3) العدالة والعدالة الانتقالية

هذا المحور من أكثر المحاور الشائكة والشديدة التعقيد والحساسيةفي التسوية، لاختصاصه بتحقيق العدالة، في جرائم الإبادة والمجازر، وعمليات الاغتيال، وكافة الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، التي حدثت منذ يونيو 1989 وحتى اليوم، والتي يطال الاتهام فيها كبار قادة المكون العسكري، وعدد معتبر من كبار ضباط الجيش الحاليين والسابقين، وقادة مليشيا الجنحاويد.

لم يقصر من صاغوا التسوية ووثائقها الإطارية والدستورية، في حشدها بالكثير من النصوص، الإنشائية والقانونيةالداعمة لتحقيق العدالة، فذكر الاتفاق الإطاري انه يجب ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة، ووضع (حد لظاهرة الافلات من العقاب)، والمحاسبة على جرائم الابادة الجماعية وإنتهاكات حقوق الإنسان، ودعا كذلك الي إطلاق عملية شاملة للعدالة، تكشف الجرائم وتنصف الضحايا، وتحاسب الجناة وتضمن عدم افلاتهم وعدم تكرار هذه الجرائم مر ة أخرى،.

كذلك حفل مشروع الدستور الانتقالي، بالكثير من النصوص القانونية المتعلقة بالعدالة والعدالة الانتقالية ، فاجرائيا نص مشروع الدستور الانتقالي في المادة 32/(1) – (2) -(3)، علي التكوين الفوري لمفوضية العدالة الانتقالية، واصدار قانون للعدالة الانتقالية، ووضع خطة قومية لتنفيذ العدالة والعدالة الانتقالية، في كافة الجرائم المرتكبة خلال النزاع المسلح في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، كذلك نص على أن يقوم مجلس الوزراء،بإصدار قرار يدعم أو يعدل اويعيد تشكيل، لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، خلال شهر من تعيينه، وكذلك نص على تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في جرائم القتل والانتهاكات التي وقعت نتيجة لانقلاب المكون العسكري. وكذلك نص علي “مراجعة”-وليس إلغاء – التشريعات واللوائح التي تعطي حصانات من المساءلة الجنائية، وتساعد على الإفلات من العقاب، وأكد على امكانية الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية.

كل ماذكر هنا من اجراءات يرتبط ارتباطا مباشرا بالجهة التي تقوم بها، فمفوضية العدالةالانتقالية التي ستشكلها قوي الهجين الإطاري ، والتي ستتولي امر العدالة الانتقالية ، بالتأكيد ستختار لها الهجين من يسيرها ويجير دورها لصالح قوى الثورة المضادة، كذلك هنالك سيكون الحال بالنسبة لقانون العدالة الانتقالية الذي سيصدره المجلس التشريعي، وقد وضح المقال في جزء سابق كيف ان ان هذا المجلس سيكون مرتعا للثورة المضادة، وبالتالي ستكون قوانينه التي يصدرها مشابهة لمكوناته، كذلك ستكون التعديلات او التكوين الجديد، الذي ستقوم به السلطة، فيما يتعلق بلجنة التحقيق، في جريمة فض الاعتصام، سيكون مشابها لكل ما شكلته وكونته قوي الهجين الإطاري او قوي الثورك المضادة.

فهل يمكن تحقيق اي نوع من العدالة في ظل هكذا بيئة؟ منطقيا الإجابة ستكون نفيا مطلقا لأية إمكانية لتحقق العدالة، في ظل هكذا بيئة وسلطة قضائية ،فتحقيق العدالة يرتبط ارتباطا مباشرا بمدي نزاهة واستقلالية مؤسستي القضاء والنيابة العامة، وكلاهما، راينا كيف انهما انهما، كغيرهما من المؤسسات في ظل هذه التسوية، ستشكلها قوي الثورة المضادة، وأهل الهبوط الناعم الذين عادوا الي هبوطهم الكامل زافات واحادا.

(12)

(4) إزالة التمكين

تفكيك تمكين النظام السابق ،وإنهاء سيطرته على كافة مؤسسات الدولة ومفاصل الاقتصاد السوداني ، هي أيضا خطوة دون تحقيقها، لن يتحقق اي تحول ديمقراطي، او تحقيق لأهداف الثورة،وفي هذا الخصوص نصت كلا الوثيقتين، على ازالة تمكين نظام 30 يونيو 89 وتفكيكه، في كافة مؤسسات الدولة، واسترداد الاموال والاصول المنهوبة، واضاف مشروع الدستور الانتقالي في المادة 63(1)، لقائمة التفكيك، تفكيك التمكين الذي حدث بعد الانقلاب، كما نص ايضا في المادة 63(2) على أن إزالة التمكين تتم (عبر هيئة تتوفر لها الكفاءة والنزاهة والتخصص، والاستقلالية التامة عن أي مؤثرات، وتوفير التدريب اللازم، والدعم اللوجستي وكافة معينات العمل.) ، وكذلك في المادة 63 (3) على انشاء آلية للاستئناف على قرارات هيئة إزالة التمكين بالتزامن مع انشاء الهيئة، وهنالك مواد عديد عن إزالة التمكين في مؤسسات وأجهزة وهيئات الدولة المختلفة، وعن دور القضاء في ذلك الخ، لكن يظل السؤال حول مكونات وتوجهات هيئة ازالة التمكين،من تمثل ومن تخدم ؟ وتظل الإجابة مشابهة لما سبقها من خلاصات، فبغض النظر عن الجهة التي ستشكل هيئة تفكيك التمكين، سواء أكانت قوي الهجين الإطاري نفسها، ام واحدة من المؤسسات والهيئات او المجالس التي انشأها على شاكلته وصورته، فستكون النتيجة واحدة، فهي ستكون هيئة تعبر في تركيبها عن الوجود الطاغي لقوى الثورة المضادة في هذا الهجين، بل ستكون قوى الثورة المضادة، اكثر حرصا على تعزيز تمثيلها ووجودها في هذه الهيئة، وبالطبع سيكون لقوى الهبوط الناعم بقية الحصة في اللجنك، وبالتالي يمكن الجزم مقدما بأنه لن يكون هنالك تفكيك حقيقي يطال بنية تمكين النظام المتجذرة في مفاصل الدولة، ولن يكون هنالك استرداد للاصول والأموال المنهوبة، وستتم التغطية على ذلك بافتعال الكثير من المعارك القضائية والاعلامية، وكل أشكال البروباغاندا المضللة ، من أجل حقيقة التسوية وحقيقة انها ليست سوي تكملة للانقلاب، بثوب دستوري، لحماية أدوار النظام في خدمة المصالح الاقليمية والدولية التي أشار إليها المقال من قبل. .

يوسف حسين_

قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com