المحكمة الدستورية في السودان .. تعطيل بأمر سياسي

0

رئيسة مفوضية حقوق الإنسان (السابقة): عدم وجود المحكمة الدستورية أدى لمزيد من الانتهاكات.

خبير قانوني : قيام المحكمة الدستورية يحجم سلطات المكون العسكري ويسحب منه البساط .

مستشار بوزارة العدل: الانتهاك الممنهج يضع علامات استفهام كبرى لدى المجتمع الدولي وآليات حقوق الإنسان.

تحقيق _ رفقة عبدالله

تعطلت المحكمة الدستورية التي تمثل أعلى سلطة قضائية في السودان لأكثر من عامين، ونصت الوثيقة الدستورية التي تحكم فترة الانتقال في البلاد على تشكيل المحكمة الدستورية على يد مجلس القضاء العالي؛ الذي لم تتم إجازة قانونه حتى الآن، وتقول السلطة القضائية إن تشكيل المحكمة الدستورية رهين بإجازة القانون من قبل مجلسي السيادة والوزراء، والقاضي بتشكيل مجلس القضاء العالي، والذي هو أيضاً لا وجود له، والذي بموجبه يفوض له صلاحيات تشكيل المحكمة الدستورية . واعتبر عدد من المحامين أن تعطيل المحكمة الدستورية سبب التسييس الذي تم في القضاء، مؤكدين أن هنالك العديد من الأحكام التي تنتظر تكوين المحكمة الدستورية.

تشكيل واختصاصات

وتعتبر المحكمة الدستورية الجهة العليا الحارسة للدستور السوداني ودساتير الولايات، وتعتبر أحكامها نهائية وملزمة. وتتكون المحكمة من 9 أعضاء، يعينهم الرئيس بناء على توصية المفوضية القومية للخدمة القضائية. وللمحكمة رئيس يعيّنه الرئيس، ويكون مساءلاً أمام الرئاسة، وولاية القاضي في هذه المحكمة سبع سنوات قابلة للتجديد.

انقضاء عامين

مضى عامان على الفترة الانتقالية وسط تجاهل حكومي تام لتشكيل المحكمة الدستورية المنوط بها حراسة الدستور بصورة عامة، ودساتير الولايات وتعتبر أحكامها نهائية وملزمة، وفي عهد الرئيس المخلوع عمر البشير تتكون المحكمة الدستورية من تسعة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية بناءً على توصية المفوضية القومية للخدمة القضائية وولاية قاضي المحكمة تمتد إلى سبع سنوات ويجوز تجديدها.

تأخير تشكيل المحكمة الدستورية أبدى على أثره قانونيون قلقاً لما له من مردود سلبي على تحقيق العدالة، وأن غيابها يعتبر نقصاناً في تحقيق أهداف الثورة، وأن نجاح الفترة الانتقالية، يعتمد على الفصل بين السلطات الثلاث. ووسط هذا القلق تبرز اتهامات متبادلة بعدم رغبة بعض المكونات المشاركة في السلطة؛ لجهة أن المحكمة فور تشكيلها مخول لها البت في قضايا عديدة، من بينها القرارات المخالفة للوثيقة الدستورية .

تعطيل متفق

وقال المستشار القانوني والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر إن أهمية تكوين المحكمة الدستورية باعتبارها جسماً عدلياً مهماً، وتأتي الأهمية في حماية الوثيقة الدستورية رغم عيوبها؛ سيما وأن الدستورية تعمل على فض أي نزاع بين الشريكيين وحسمه، وتسمى الرقابة الدستورية في حد ذاتها ، مؤكدًا أن الحرية والتغيير والمجلس العسكري متفقون على تعطيل المحمكة الدستورية، وأن الحرية والتغيير لها دور كبير في التعطيل. وأن الشق العسكري لايمكنه فهم معنى المحكمة الدستورية ، ولكن كيف يمكن لقوى الحرية والتغيير تعطيل المحكمة؟، وكيف يمكن أن تحكم الفترة الانتقالية بدون محكمة دستورية ، وأرجع كمال في تصريح لـ(اليوم التالي) أن قوى الحرية والتغيير عطلت المحكمة من أجل قانون لجنة إزالة التمكين؛ التي كانت تعمل بدون قانون؛ ومن أجل الانتقام ، وحمل تعطيل المحكمة للشريكين، قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري . وأضاف كمال؛ أن التعطيل تسبب في تأخير الأحكام القضائية خاصة المتعلقة بشهداء ثورة ديسمبر، مما جعل ذلك خصماً على جدية مصداقيتها، بينما لا زال البعض مستمراً في قتل الثوار في ظل غياب المحكمة الدستورية .

حماية الحقوق

ويقول المحامي والمستشار القانوني، بارود صندل إن هدف المحكمة الدستورية هو حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، و الفصل في دستورية القوانين والنصوص وفقاً للدستور، وكذلك الفصل في النزاعات الدستورية في مستويات الحكم المختلفة، والفصل في النزاع بين الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، وأيضاً هي الجهة الوحيدة المعنية بحماية الحقوق الأساسية للمواطنين، وفي حالة حدوث الانتهاك تتدخل في أحكام القضاء النهائية، مثلاً في حالة الحكم بالإعدام على الأشخاص، لها حق مراجعة تلك الأحكام ، و الفصل في دستورية القوانين، ومعرفة أي القوانين التي تخالف الدستور، وهي تتألف من 7 قضاة، القضاة الستة عقوداتهم انتهت، وليس من ضمنهم رئيس المحكمة الدستورية. ويشير صندل، إلى أن رئيس المحكمة الدستورية خاطب، في وقت سابق، المجلس السيادي الحاكم، بأن لديه 6 قضاة عقوداتهم انتهت، وكان بإمكان مجلس السيادة التجديد لهم فقط لمدة عام، إلا أنه رفض بحجة أن هؤلاء القضاة يتبعون للنظام السابق. ويوضح بارود أن سبب تأخير تشكيل المحكمة الدستورية متعمد، وعدم التجديد لقضاة المحكمة الدستورية المنتهية ولايتهم، يهدف إلى عرقلة تنفيذ العدالة في سائر البلاد، مثل هذا العمل لا يتيح فرصاً للطعن في المخالفات الدستورية التي تحدث، لهذا تأتي أهمية وجود المحكمة الدستورية في البلاد.

دستورية القوانين

يرى المحامي والخبير القانوني الفاضل محمد علي عدم وجود سبب واحدٍ لتأخير تشكيل المحكمة الدستورية ، وليس هناك سبب موضوعي يجعل حلفاء الفترة الانتقالية يؤخرون تشكيلها، أن غياب المحكمة له آثار سلبية على تنفيذ القوانين، وأوضح أن البرلمان أو المجلس التشريعي، يستحيل أن يحل محل المحكمة، البرلمان له دور سن القوانين، والمحكمة الدستورية عملها فني، ولها صلاحية النظر في دستورية القوانين، إذا كانت تتوافق مع الوثيقة الدستورية أو تعارضها. ويستبعد الفاضل في حديثه ل(اليوم التالي ) أن تأخيرها بسبب تماطل بين قيادات الفترة الانتقالية، و يتهم المكون العسكري وقوى سياسية داخل الحرية والتغيير، بتأخير تشكيل المحكمة الدستورية. ويشير الفاضل إلى أن من المعلوم أن المحكمة الدستورية والمجلس التشريعي تعتبر ضمن هياكل السلطة في الفترة الانتقالية ومنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. عليه فإن إنشاء المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية حتماً سوف يحجم ويقلل من سلطات المكون العسكري، ويسحب البساط منه، ولذلك تجرى المماطلة في عدم تشكيل المجلس التشريعي وكذلك المحكمة الدستورية. ويضيف ” المحكمة الدستورية كانت سوف تلغي كل العبث باسم الوثيقة الدستورية وتلغي كل القوانين المقيدة للحريات، وكذلك تلغي كل القرارات المخالفة الوثيقة الدستورية والتعديلات التي لحقت بالوثيقة الدستورية نفسها ” .

درجة التقاضي

في المقابل عبر المستشار القانوني المعز حضرة بقوله: “كل حكم يصدر من القضاء السوداني، ويصل إلى دائرة المراجعة النهائية، يكون حكماً نافذ التطبيق، من دون الرجوع إلى المحكمة الدستورية “، مؤكداً أن “القضاء السوداني هو سلطة قائمة بذاتها، والحديث عن أن غياب المحكمة الدستورية يعطل تنفيذ الأحكام، غير صحيح “. وأكد المستشار القانوني أن اختصاصات المحكمة الدستورية “تنحصر في حماية الحقوق الدستورية، وفض النزاعات بين قرارات رئيس الجمهورية والجهات المعنية الأخرى، والتدخل في حال وجود قانون مخالف للدستور”. وأشار حضرة إلى أنه “في ظل النظام السابق، كانت الأحكام القضائية تنفذ بعد وصولها إلى الدوائر النهائية، من دون الرجوع إلى المحكمة الدستورية “.

انتهاكات مستمرة

الرئيسة السابقة للمفوضية القومية لحقوق الإنسان مولانا حورية اسماعيل قالت ل(اليوم التالي) : إن غياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يؤثر على سير العدالة ويؤدي لمزيد من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، وأضافت أن الدستورية تعتبر الجهة التي تنظر في قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات، عليه فإذا غابت المحكمة الدستورية فليس هناك أي جهة أخرى يمكنها الفصل والنظر في هذه القضايا والانتهاكات، وأشارت حورية إلى أن جميع القوانين التي تصدر يأتي تأييدها من المحكمة الدستورية، عليه فإن أي قانون يصدر في هذا التوقيت بدون وجود محكمة دستورية، وتأييد في حال وجود محكمة يمكن أن يكون غير قانوني ولا يجد تأييداً، وشددت حورية أن قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو هو قانون فيه كل القوانين والصلاحيات، وأعلى من بعض القوانين وهنا لا توجد جهة حالياً تقرر وتؤيد قانونية القوانين، والمحكمة الدستورية هي من تقوم بهذا الإجراء، حسب صلاحيات واختصاصات الدستورية، وأكدت حورية أن عملية التقاضي في البلد بالنسبة لحقوق الإنسان وغيرها تعتبر منقوصة، في ظل عدم وجود محكمة دستورية؛ سيما وأن الدستورية لا تنظر في كل القضايا بعد المحكمة العليا إلا في حال وجود قرار قضائي منافٍ للشريعة الإسلامية وللحقوق الإنسانية، وإلا لكانت كل القضايا الموجودة أمام المحكمة العليا تحولت للدستورية.

تنبيه وتحذير

وقالت المستشارة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان خديجة الفاضل : إنه وفقاً للدساتير والتشريعات الوطنية، والمواثيق الدولية والإقليمية والتي تضمنت معايير للمحاكمة العادلة، نصت الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 تعديل لسنة 2020 على جملة مواد خاصة بالمحاكمة العادلة، وكما كفلت المادة 52 من الوثيقة للكافة الحق في التقاضي، ولا يجوز منع أحد من حقه في اللجوء للعدالة. كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ضمانات المحاكمة العادلة، وأوضحت خديجة أن المادة (8) من الإعلان نصت على أنه لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون. وكذلك نصت (10) من الإعلان على : إنه لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين ، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة، وأضافت خديجة أن المادة (31) من الوثيقة الدستورية نصت بكل فقراتها على المحكمة الدستورية بأنها محكمة مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية، تختص برقابة دستورية القوانين والتدابير وحماية الحقوق والحريات والفصل في النزاعات الدستورية. وتشكل المحكمة الدستورية وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وفقاً للقانون، ولذلك فإن التجميد المتعمد للمحكمة الدستورية من قبل حكومة الفترة الانتقالية، وامتناعها عن تعيين أعضائها لمدة تفوق السنة والنصف، مع العلم التام بأن المحكمة الدستورية هي المختصة برقابة دستورية القوانين والتدابير التشريعية، وحماية الحقوق والحريات وفقاً للوثيقة ووفقاً القانون إن عدم إنشائها يعد في حد ذاته انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان الأساسية وحقه في التقاضي والطعن في دستورية أي قانون مخالف، مشيرة إلى أنه يعوق دون شك استنفاذ طرق الانتصاف الداخلي، ويجعل الطريق ممهداً للجوء إلى الآليات الدولية والإقليمية ذات الصلة مباشرة، ويعطي دليلاً إضافياً وقاطعاً على إصرار حكومات الفترة الانتقالية على الانتهاك الممنهج والمستمر لحقوق الإنسان وانعدام فرص اللجوء للنظام القضائي المحلي، ويضع علامات استفهام كبرى لدى المجتمع الدولي وآليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية حول جدوى اللجوء إليه. وأكدت خديجة أن المنظمات الدولية وغيرها من الآليات أوصت ضمن المراسلات على حث حكومة الفترة الانتقالية على تعيين قضاة المحكمة الدستورية وإكمال هياكلها باعتبارها الضامن الأساسي للحقوق الدستورية، ومدها بكل الإمكانيات المادية والبشرية التي تجعل منها أداة فاعلة لحفظ الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان.

اليوم التالي

قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com