النزوح “إلى الداخل”.. أين يجد سودانيون الأمان داخل بلدهم الآن؟

0

تعيش العاصمة السودانية الخرطوم على وقع المعارك منذ اندلاع القتال، منتصف أبريل الماضي، بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، الأمر الذي دفع آلاف السكان إلى النزوح، بحثًا عن أمان لا يجدونه في ظل القذائف وطلقات الرصاص.

يهرب سودانيون إلى خارج البلاد، سواء شمالًا نحو الحدود المصرية، أو شرقًا نحو بورتسودانK حيث يتم تنسيق عمليات الإجلاء بالتعاون مع السلطات السعودية عبر مدينة جدة.

أما النازحين داخل البلاد فيتحرك أغلبهم نحو ولاية الجزيرة التي تقع على بعد ساعتين جنوبي الخرطوم، كونها أكثر الأماكن أمنًا بالقرب من العاصمة، بجانب أنه يمكن الانطلاق من خلالها نحو مناطق أخرى آمنة جنوب شرقي البلاد، مثل القضارف وسنّار.

ويقرر كثيرون، بحسب ما ذكره سودانيون لموقع “الحرة”، البقاء في مدينة مدني في ولاية الجزيرة، حيث يجدون الترحاب والحياة العادية بعيدا عن القصف والحرب، فيما يختار البعض التوجه من خلالها نحو مناطق أخرى حال كانت تكاليف العيش غالية بالنسبة لهم.

تقول، مواهب علي، التي تعيش في مدني، إن أسرتها تستضيف أفرادا من الفارين من جحيم الحرب في الخرطوم.

وأضافت في حديثها لموقع “الحرة”: “نزح كثير من المواطنين إلى مدني لدرجة أننا فتحنا المدارس والبيوت لاستضافة المتضررين من الحرب. هذا أمر غريب علينا، يأتون بعد انقطاع الماء والكهرباء فضلا عن الضرب العشوائي”.

الأمان في الجزيرة

تستضيف أسرة علي، عبد القادر سر الختم، وهو أحد سكان الخرطوم الذين نزحوا قبل سبعة أيام مع أحد أصدقائه من الخرطوم.

وقال في تصريحات لموقع “الحرة”، “سقطت دانة مدفع على المنزل المجاور لي، فيما ملأت الرصاصات سقف منزل جار آخر”، وحينها قرر الرحيل، فاستقبله أهالي مدينة مدني بترحاب شديد، حيث وجد الفارون الماء والطعام والأدوية، والأكثر من ذلك الأمان.

ويتابع سر الختم: “ركبت حافلة عاملة ووصلت بأمان إلى مدني وطول الطريق كان الناس يتصرفون بشكل رائع ومنحونا ماء وطعام”.

وأشار إلى أن سبب تفضيله للجزيرة أنها قريبة وآمنة، موضحًا أن المواد الغذائية متوفرة والأهم من ذلك أن “الدنيا أمان”.

وأسفرت المعارك الدائرة في الخرطوم منذ 15 أبريل الماضي، بحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة السودانية، عن مقتل ما لا يقل عن 528 شخصًا وإصابة 4599 آخرين.

فيما أشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 334 ألف شخص نزحوا داخليًا في السودان منذ اندلاع القتال في الخرطوم يوم 15 أبريل الماضي، كما تقدّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد الفارين من إلى خارج السودان بأكثر من 100 ألف مواطن.

خرج الشاب، نابت محمد، من منزله في حي جبرا بالخرطوم يوم وقفة عيد الفطر، 20 أبريل الماضي، على وقع طلقات الرصاص، بادئًا رحلته إلى مدينة القضارف، حيث تعيش أسرته.

ويمر السودانيون بولاية الجزيرة في طريقهم نحو ولايتي القضارف أو سنّار أو مناطق أخرى مثل الدمازين، وكلها جنوب شرقي البلاد.

وصرح محمد لموقع الحرة: “قبل السفر كان هناك ضرب بالطيران، كان لازم نخرج.”، مضيفًا أنه بمجرد الخروج من الخرطوم لم نسمع إطلاق نار ولم نجد تمركزات لقوات الدعم السريع، فأدركنا أن المشكلة كانت في الخرطوم فقط”.

غادر محمد، رفقة أخويه واثنين من أبناء عمومته، وأوضح أنهم صادفوا ترحابا من الأهالي خلال سفرهم إلى مدني: “وزعوا طعاما وشرابا، ومن كان مصابًا عالجوه”.

وقال محللون في تصريحات سابقة للحرة، إن هنا مخاوف من اتساع رقعة القتال مع استمراره في الخرطوم في ظل اعتقاد كل طرف من طرفي الأزمة أنه قادر على القضاء على خصمه.

وتابع محمد حديثه بالقول: “في القضارف يعيشون حياة طبيعية ويتحركون إلى الأسواق ويشترون احتياجاتهم، الأزمة في الخرطوم فقط حتى في البنزين. الغالون كان يساوي 30 ألف جنيه سوداني في الخرطوم، وفي الجزيرة كان بـ 3 آلاف فقط”.

وصل محمد إلى عائلته، لكنه أشار إلى التكاتف بين الأهالي في ولاية الجزيرة، حيث “أشعرونا أن الوضع أمان، ومع وصولنا مدني لم نجد أي حكومة كل شيء كان من مواطنين. ما في خيام فكل المواطنين فاتحين بيتهم، لو لدى أحدهم 4 غرف يستضيف في غرفة منهم نازحين من الخرطوم”.

ولا يتجه السودانيون إلى المناطق غرب البلاد، بحسب روايات من أهالي للحرة، حيث تعتبر مناطق غير مستقرة بسبب المعارك القبلية، ولأنها مناطق نفوذ لقوات الدعم السريع، مثل دارفور.

مبادرات أهلية

في مدينة مدني وولاية سنّار ومناطق سودانية أخرى، يستقبل المواطنون النازحين من الخرطوم، لتقديم الدعم اللازم سواء ماديًا أو معنويًا، ومساعدتهم في الوصول إلى سكن وطعام ودواء.

مبادرات أهلية في السودان لاستقبال النازحين
مبادرات أهلية في السودان لاستقبال النازحين

وفي حديثه لموقع الحرة، قال أحد المسؤولين عن مبادرة شبابية تحمل اسم “غرفة طوارئ سنّار”، أحمد محمد الصادق، إن المبادرة هدفها استقبال الوافدين من الخرطوم وتوفير السكن والطعام والمواد الطبية والأموال لمن لا يمتلكونها ويريدون التوجه إلى مناطق أخرى في البلاد.

وأوضح أن تمويل مثل هذه المبادرات يكون بالجهود الشعبية عبر المتبرعين بالأموال أو الغذاء أو الأدوية، مشيرًا إلى أن هناك تنسيقا أيضًا مع مسؤول حكومي ومع ما يطلق عليه الصندوق القومي لرعاية الطلاب في سنّار، والأخير فتح أبواب سكن الجامعات لمن يرغب من النازحين.

مبادرات أهلية في السودان لاستقبال النازحين
مبادرات أهلية في السودان لاستقبال النازحين

طوارئ الحكومة

من جانبهم، أعلن حكام عدد من الولايات التي تستقبل النازحين السودانيين، حالة الطوارئ من أجل مجابهة الظروف التي فرضها القتال في الخرطوم.

وبحسب وكالة أنباء السودان (سونا)، فقد أعلن ولاة الجزيرة وسنّار والقضارف وكسلا حالة الطوارئ في أوقات مختلفة منذ اندلاع القتال.

يمنع أمر طوارئ الولايات، تداول المحروقات (بنزين وغازولين وغاز) والخبز والسكر وزيت الطعام خارج نطاق القنوات المصدق لها من الجهات الرسمية، ولفت إلى أن أي وسيلة نقل أو أفراد يتم ضبطهم وبحيازتهم هذه السلع دون تصديق من السلطات المختصة والقنوات الرسمية، يعتبر تهريبا أو شروع في تهريب هذه السلع.

ويعاقب من يمارس تلك المخالفات بالسجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات، بجانب مصادرة السلع والوسيلة المنقول بها، أو المخزن، لصالح وزارة المالية بالولاية.

قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com