
في الوقت الذي يشرف خلاله على عمليات الصيانة الدورية لطائرة سودانير الايربص 320 بالعاصمة المصرية القاهرة، فإن علاقة الكابتن إبراهيم علي ابوسن في إدارة الخطوط الجوية السودانية تبدو في طريقها للنهاية بعد ثلاث أعوام مُحصلتها أن الناقل الوطني بدأ في إستعادة جُزء مقدّر من عافيته.
و بالعودة إلى تكليف الكابتن ابوسن بادارة سودانير في مارس من العام 2022 فإن بداياته لم تكن مفروشة بالورود فقد وجد الطائرة الوحيدة متوقفة عن التحليق بالإضافة إلى مديونية ضخمة تمّ تقديرها وقتها بمبلغ 50 مليون دولار، لتسفر جهوده عن عودة الطائرة إلى التشغيل بانتظام عبر رحلات بين الخرطوم والعاصمة المصرية ثم استأنفت الشركة رحلاتها إلى نيالا ثم الجنينة،ثم الخرطوم بورتسودان القاهرة، ولأن محطة جدة بالسعودية تُعتبر استراتيجية فقد وضعها ابوسن نصب إهتمامه وبعد جولات ماكوكية وصلت سودانير إلى مبتغاها بعد خمسة أعوام من التوقف حيث تمت جدولة الديون التي ماتزال الشركة منتظمة في الايفاء بها.
وكانت هذه العودة التي اثارت موجة من الارتياح بين محبي الناقل الوطني وقتها نقطة تحول حقيقي في مسار الشركة ليس على صعيد بداية الرحلات في الرابع عشر من أبريل من العام 2023، بل أن رحلات جدة أنقذت طائرة سودانير الوحيدة من التدمير بعد أن اندلعت الحرب بنحو مباغت في الخامس عشر من أبريل ووقتها كانت الطائرة في رحلة صباح ذلك اليوم إلى جدة لينطوي الأمر على حكمة ربانية كانت سببا في الا تتوقف سودانير عن التحليق.
وعودة رحلات سودانير إلى جدة جاءات نتيجة لجهود كبيرة بذلها الكابتن ابوسن الذي نجح في إقناع الجانب السعودي ممثلا في وزير النقل وهيئة الطيران المدني بجدولة المديونية التي تبلغ 21 مليون دولار ليتم سدادها خلال 20 عاما، وهذا الملف تحديدا كان لسفر الكابتن ابوسن أثر كبير في أن يتحرك بخُطي سريعة ، فمن ست أشهر وهي الفترة التي كان يفترض أن تستغرقها إجراءات حصول سودانير على شهادة المُشغل الخارجي فقد استلمها خلال 25 يوما تقديرا من الجانب السعودي لحضوره اليومي إلى مقر هيئة الطيران المدني بالرياض.
وفي ذات الشأن فإنه وللمفارقة فقد استلم تصريح الإستئناف يوم 13 أبريل ووجه ببرمجة رحلتين يوميا إلى جدة الأولى عند السابعة صباحا والثانية عند السابعة مساءا، ومباشرة فإن يوم الجمعة 14 أبريل شهد تسييّر سودانير رحلتين وفي يوم السبت سيّرت رحلة الصباح التي كانت بالنسبة لطائرة الشركة طوق نجاة من الحرب التي اندلعت في الخرطوم وكان المطار أبرز مسارحها في اليوم الأول.
وسعت الشركة لاستئناف العمل من بورتسودان إلا أنه واجهتها عقبة التأمين الذي تمّ فرضه عليها في الرحلة الواحدة إلى جدة 150 ألف دولار و200 ألف دولار الى القاهرة وذلك من واقع تأمين الطائرة الذي يتجاوز 12 مليون يورو بالإضافة إلى شرط آخر وهو عدم بقاء الطائرة في مطار بورتسودان غير ساعتين فقط حيث كانت وقتها المدينة الساحلية تعتبر منطقة حرب كسائر السودان وكان هذا عكس شركات الطيران الخاصة لإنخفاض قيمة تأمين طائراتها ،ولعدم جدوى التشغيل ظلّت الطائرة متوقفة بجدة.
بعد أشهر تم تأجير الطائرة لشركة النيل المصرية وفي هذا استفادت سودانير من العقد في الصيانة وعاد على الشركة بدخل جيد كان سببا في أن تستأنف رحلاتها من بورتسودان بداية العام 2024 دون أن تواجهها عقبات عقب فتح المجال الجوي بمنطقة بورتسودان وهو الأمر الذي انعكس إيجاباً في انخفاض قيمة التأمين.
وشهد ذات العام اختراقات حقيقية للشركة باستئناف رحلاتها إلى جدة، مسقط والرياض بالإضافة إلى القاهرة وهو رقم من المحطات الخارجية لم تصل إليه سودانير في العقد الثاني من هذه الألفية لتنجح قبل نهاية 2024 من إكمال كافة الاجراءات إلى محطة الشارقة الإماراتية.
ولانتظام الرحلات فإن سودانير سعت إلى إيجار طائرة لخطورة الإعتماد على واحدة ولكن ظروف الحرب حالت دون ذلك لرفض الشركات بقاء طائراتها واطقمها ببورتسودان ، كما أن الشركة سعت إلى الشراء الإيجاري إلى أنها وجدت صعوبة في ذلك من واقع عدم حصولها رغم مساعيها على ضمان سيادي او من وزارة المالية او بنك السودان.
وعودة إلى عنوان هذا المقال فإن مصادر بالشركة ببورتسودان رجّحت أن تنتهي علاقة الكابتن ابوسن بسودانير، ولفتت إلى أنه يبدو زاهدا في تمديد عقده الذي ينتهي في السابع والعشرين من شهر مارس، وأوضحت انه دفع بطلب اجازته التي تبدأ في 27 فبراير وأن هذا يعني حسب العقد عدم رغبته في الإستمرار، وكان الكابتن ابوسن قد تقدم من قبل باستقالته عن إدارة الشركة غير أنه تمّ رفضها.
حاولنا في طيران بلدنا الاستيثاق من ما رشح عن اعتزام الكابتن ابوسن التنحي وعدم تجديد عقده وتواصلنا معه غير أنه لم يعلٍق وأكد أن كل همه حاليا في القاهرة ينحصر في إكمال صيانة الطائرة التي أشار إلى أن عودتها اقتربت بعد إكتمال العمل من نهايته، ويتولى هذا الملف بنفسه للاحترام الذي يُحظي به من الجانب المصري وعلاقته الشخصية مع مدير ايجبت اير الذي أهتم بدوره بتسريع إيقاع الصيانة اقتراب الطائرة من إستئناف الرحلات.
بصفة عامة فإن كان ماتمّ تداوله حول عدم رغبة الكابتن ابوسن في الإستمرار كان صحيحا أم لا، فإن الحقيقة تؤكد أن فترته شهدت اختراقات حقيقية على جدار الشركة في ظل ظروف اقتصادية غير مواتية للنجاح ورغم ذلك تمكّن من وضع بصماته التي لايُمكن تجاوزها.