اخبار

كيف تسهم السرديات المضللة والصمت الغربي في استمرار الإبادة في السودان؟

كيف تسهم السرديات المضللة والصمت الغربي في استمرار الإبادة في السودان؟

تسهم السرديات المضلِّلة والصمت الغربي في تعميق مأساة السودان وإطالة أمد الإبادة الجارية، ليس فقط عبر إخفاء الحقيقة أو تشويهها، بل من خلال إعادة تشكيل وعي الرأي العام والمجتمع الدولي بما يخدم الأطراف المتورطة في العنف. فحين يُعاد تقديم الجرائم الممنهجة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع باعتبارها مجرد “تجاوزات حرب” أو “نتيجة طبيعية لصراع داخلي”، فإن ذلك يفرغ الجريمة من مضمونها الأخلاقي والقانوني، ويحوّلها إلى حدث رماديّ لا يستدعي موقفًا حاسمًا.

1. آلية السرديات المضللة: تحويل الجريمة إلى خلاف سياسي

إن أخطر ما تفعله السرديات المضللة هو نزع الطابع الخاص والاستثنائي عن الجرائم، وإعادة دمجها في إطار سياسي عام يساوي بين الجاني والضحية. فخطاب “كل الأطراف ترتكب انتهاكات” يبدو للوهلة الأولى موضوعيًا، لكنه يخفي فارقًا جوهريًا بين الخروقات المحدودة من جهة، وبين العنف الممنهج القائم على الاستهداف العرقي والتهجير والإبادة من جهة أخرى.

بهذا الشكل يصبح القتل على الهوية مجرد “عارض من أعراض الحرب”، لا جريمة مقصودة ومخططًا لها. وتتحول عمليات الحرق الواسع، والعنف الجنسي الجماعي، وتدمير القرى إلى مجرد “نتائج مؤسفة”. إن هذا التخفيف اللغوي والمنهجي يهيئ مجالًا سياسيًا يسمح باستمرار الجريمة دون ضغط حقيقي.

2. استدعاء الماضي لتطبيع الحاضر

تستخدم بعض التحليلات الإقليمية والدولية تاريخ السودان المضطرب لتسويغ الجرائم الحالية، عبر تقديمها وكأنها امتداد طبيعي لدورات العنف القديمة. هذه المقاربة تُنكر أن الإبادة الراهنة تمتلك بنية جديدة بالكامل: مليشيا ذات طابع اقتصادي–عسكري محدد، ودعم خارجي منظّم، وتحالفات إقليمية تسعى لتغيير توازن القوى في السودان. إن استدعاء التاريخ بهذه الطريقة يبرر الجريمة بدل أن يفسرها، ويخلق قناعة مضللة بأن “هذا ما يحدث دائمًا”.

3. دور النخب السودانية في إعادة إنتاج الخطاب

لا يقتصر انتشار السرديات على الخارج، بل يجد صدًى داخل بعض النخب المدنية والسياسية والإعلامية التي—بدافع الاصطفاف السياسي أو التنافس أو سوء التقدير—تكرر الخطاب نفسه. فبعض الأصوات تسعى إلى تصوير المليشيا باعتبارها طرفًا سياسيًا مكتمل الشرعية، أو إلى توصيف الطرف الآخر بأنه “أيديولوجي” أو “متطرف”، في محاولة لتحويل النقاش من جريمة إبادة إلى صراع بين مشاريع سياسية.

هذا التبني المحلي يضاعف أثر السرديات الخارجية، ويمنح المليشيا غطاءً معنويًا داخل المجتمع، ويخلق التباسًا في فهم طبيعة الصراع لدى الجمهور، ويضعف فرص بناء موقف وطني موحد ضد الجرائم.

4. توظيف القوى الإقليمية للسرديات لخدمة مصالحها

تستثمر بعض الدول الإقليمية هذه السرديات لتبرير دعمها العسكري والمالي للمليشيا. فحين يُقدَّم الصراع على أنه مواجهة مع “الإسلاميين” أو “القلق من تمدد نفوذ الجيش”، يصبح الدعم الخارجي وكأنه محاولة لتحقيق التوازن السياسي، لا تغذية مباشرة لإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحالي.

بهذا الإطار تُحوّل الإبادة إلى موضوع “أمني” مرتبط بصراعات النفوذ، بدل كونها جريمة ضد الإنسانية تستوجب إدانة واضحة.

5. الصمت الغربي: تواطؤ غير مباشر يصنع البيئة المناسبة للجريمة

أما الدول الغربية، فإنها—رغم علمها الكامل بتورط بعض حلفائها في تسليح المليشيا وخرق قرارات مجلس الأمن—تلتزم صمتًا دبلوماسيًا أو تصدر بيانات لا تتضمن أي إجراءات ضغط حقيقية. هذه الازدواجية تُفقد خطاب حقوق الإنسان مصداقيته، وتحوّل “النظام الدولي القائم على القواعد” إلى شعار انتقائي يُطبق على البعض ويتجاهل البعض الآخر.

لقد أصبح هذا الصمت جزءًا من المشكلة، لا مجرد تقصير. لأنه:

  • يضعف أدوات المحاسبة الدولية.

  • يمنح المليشيا مظلة سياسية وعسكرية.

  • يسمح بتدفق السلاح دون عقاب.

  • يشجع أطرافًا أخرى على الاستمرار في دعم المليشيا.

  • يحوّل قرارات مجلس الأمن إلى نصوص بلا أثر.

والأخطر أنه يرسل رسالة ضمنية مفادها أن السودان خارج دائرة الأولويات، وأن دماء المدنيين ليست كافية لتحريك الإرادة الدولية.

6. النتيجة: بيئة دولية ومحلية تسمح باستمرار الإبادة

حين تتكامل السرديات المضللة مع الصمت الغربي، يتشكل نظام كامل من الحماية غير المباشرة يسمح باستمرار الجرائم، ويعيق أي جهد نحو وقف العنف أو فرض مساءلة. بذلك يتحول النقاش من “كيف نوقف الجريمة؟” إلى “كيف نفهم الصراع؟”، وهو انتقال يعكس انحرافًا خطيرًا في الوعي الدولي.

7. ضرورة تفكيك السرديات من أجل حماية المدنيين

إن مواجهة هذه السرديات وتفكيكها—محليًا وإقليميًا ودوليًا—هي الخطوة الأولى لإعادة تعريف ما يجري في السودان باعتباره جريمة لها مرتكبوها الواضحون، لا مجرد نزاع داخلي تتساوى فيه الأطراف. فالمأساة السودانية لا تُرتكب في الظلام: العالم يرى، والغرب يرى، لكن انحيازات المصالح تتفوق على واجب الحماية.

تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com