
ماذا تعني «الخطوط الحمراء» المصرية في حرب السودان؟
في أعقاب زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً لافتاً بشأن تطورات الحرب في السودان، تضمن ما وصفته بـ«الخطوط الحمراء» التي لن تسمح بتجاوزها، باعتبار أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وجاء البيان بلغة مباشرة وحازمة، عكست تحولاً واضحاً في الموقف المصري من الاكتفاء بالدور الدبلوماسي إلى التلويح باستخدام أدوات ضغط أشد، من بينها تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.
اتفاقيات عسكرية تعود إلى الواجهة
تستند القاهرة في موقفها إلى اتفاقيات عسكرية قديمة، أبرزها اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 1976 في عهد الرئيسين جعفر نميري وأنور السادات، والتي تنص على أن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الآخر، مع الالتزام بالتشاور واتخاذ ما يلزم من إجراءات، بما فيها استخدام القوة المسلحة. كما وقّع البلدان في عام 2021 اتفاقية للتعاون العسكري شملت التدريب وتأمين الحدود ومواجهة التهديدات المشتركة.
ورغم أن هذه الاتفاقيات ظلت مجمدة عملياً لعقود، فإن إعادة التلويح بها اليوم تعكس حجم القلق المصري من مسار الحرب، خاصة في ظل تمدد القتال في دارفور وكردفان، وما يحمله ذلك من مخاطر تفكك الدولة السودانية أو انقسامها جغرافياً.
رسائل سياسية إقليمية ودولية
يرى محللون سودانيون أن البيان المصري يحمل رسائل متعددة، إقليمية ودولية، مفادها أن القاهرة ترفض أي سيناريو يفضي إلى تقسيم السودان أو إنشاء كيانات موازية لسلطة الدولة. ويشير هؤلاء إلى أن مصر استخدمت للمرة الأولى لغة «خشنة» في توصيف موقفها، بما يوحي باستعدادها للتحرك وفق ما يتيحه القانون الدولي، إذا ما تم تجاوز تلك الخطوط.
ماهية الخطوط الحمراء
حدد البيان المصري ثلاثة مرتكزات أساسية:
-
الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، ورفض أي محاولات للانفصال أو التقسيم.
-
عدم الاعتراف بأي كيانات موازية أو سلطات خارج إطار الدولة السودانية.
-
حماية مؤسسات الدولة ومنع المساس بها، مع التأكيد على حق مصر في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان ذلك.
وشددت القاهرة على أن هذه الخطوط تمس أمنها القومي مباشرة، ما يبرر – بحسب البيان – اتخاذ خطوات عملية، من بينها تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك.
سياق الزيارة والجهود الدولية
تأتي زيارة البرهان إلى القاهرة بعد أيام من زيارته إلى السعودية، وفي ظل تحركات مكثفة للآلية الرباعية التي تضم السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة، بهدف إنهاء الحرب التي تقترب من عامها الثالث. ويُنظر إلى التحرك المصري باعتباره جزءاً من تنسيق إقليمي ودولي أوسع، تقوده واشنطن حالياً عبر ما يوصف بـ«القوة الناعمة» قبل الانتقال إلى خيارات أكثر صرامة.
رد فعل «الدعم السريع»
في المقابل، اعتبرت «قوات الدعم السريع» الموقف المصري تدخلاً مباشراً وانحيازاً واضحاً للجيش السوداني، وكررت اتهاماتها للقاهرة بدعم الجيش عسكرياً منذ بداية الحرب. وترى هذه القوات أن الحديث عن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك لا يمثل تحولاً جديداً بقدر ما هو إعلان رسمي لتدخل قائم بالفعل.
خلاصة المشهد
تعكس الخطوط الحمراء المصرية انتقال القاهرة من موقع المراقب القَلِق إلى موقع الفاعل الساعي لحماية ما تعتبره مصالح أمنية حيوية. وبينما تراهن مصر وحلفاؤها على تسوية سياسية قريبة، يبقى المشهد السوداني مفتوحاً على احتمالات التصعيد، في حال فشل الجهود الإقليمية والدولية في وقف الحرب ومنع انزلاق السودان إلى مزيد من التفكك.











