لماذا استأنفت القوات المسلحة مفاوضات جدة؟ (التفاصيل)

0

 لماذا استأنفت القوات المسلحة مفاوضات جدة؟

 بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن

استأنفت القوات المسلحة المفاوضات وتوجهت إلى جدة التي تحتضن السلام .

ذهبت القوات المسلحة الى التفاوض بعد ان قدرت موقفها عبر دراسة مستفيضة ، وعلم تقدير الموقف من أعقد العلوم على الإطلاق التي تدرس بالمؤسسات العلمية العسكرية وهو مرتبط بالعمليات التكتيكية التعبوية في الميدان كما هو مرتبط بالقضايا الاستراتيجية) ، لذلك قدرت القوات المسلحة الموقف واختارت التفاوض .

وقد حملها إلى استئناف منبر جدة الاتي:
1.إمكانية أن تطور هذه الحرب وتتغير أهدافها تماما ويصبح تقسيم السودان هدفا في سقفها الادنى واشعال كل السودان هدفا استراتيجيا في سقفها الأعلى ، ووفقا لذلك يتم توسيع ميدان الحرب لتصبح مهددا وجوديا للسودان .
2.ضمن ما توصلت اليه القوات المسلحة في تقدير موقفها ، الموقف الإنساني للمواطن سيما بولايات الخرطوم والغرب عموما فقد انهار كل شئ والموقف كارثي بولاية الخرطوم سيما المحليات التي تحت سيطرة التمرد ، لذلك رأت القوات المسلحة أن تنحاز إلى المواطن لا أن تنتقم لشرفها المهني وهي تجاري مليشيات ، فقد أنشئت بالأساس لخدمة المواطن وأمنه.

  1. ما حمل القوات المسلحة الى منبر جدة هو فشل المؤسسات السياسية بالبلاد لاحداث حراك من شأنه إيقاف الحرب ، فطبيعة المشهد السياسي الذي تتصدره مجموعتان وهما ، مجموعة (المغضوب عليهم ) من قبل المجتمع الإقليمي بشقيه ( الافريقي والعربي ) والمجتمع الدولي ، وهذه هي مجموعة الاسلاميين ، حلفاء القوات المسلحة في هذه المواجهة وهي مجموعة(نعم للحرب) والمجموعة الثانية هي مجموعة(الضالين) الذين ضلوا كثير واضلوا عن سواء السبيل وهي مجموعة قحت بنسخها المختلفة بمافيها النسخة الأخيرة ( جوع وتقدم) . فالمؤسسات السياسية بالبلاد فقيرة لا تهز ولا ترز وواقعها مزر وهي التي اوصلت البلاد إلى هذه النتيجة ، لذلك رأت القوات المسلحة أن تلجأ إلى الخارج وتستعين بصديق بحثا عن مخرج لهذه الازمة .
    4.كذلك ضمن ما خرجت به القوات المسلحة في تقدير موقفها ، انها بذلت ما في وسعها حتى الآن وحافظت على كتلتها الصلبة ، وباستمرار المواجهة وتطورها قد يخرج الأمر عن السيطرة مما يلقي بظلاله على مستقبل البلاد ، فحفاظا على وحدة وسلامة البلد تم اختيار التفاوض .
    5.حتى لا تفقد القوات المسلحة المكاسب التي حققتها ، فعليها أن تجنح إلى التفاوض جنبا إلى جنب مع القتال ، لتجمع في ذلك بين اليد التي تحمل السلاح وتلك التي تمتد للمصافحة فالقوات المسلحة مازالت مستمرة وان التفاوض لا يعني توقف القتال بعد ، وهذا التوازن هو جوهر تقدير موقف قيادة القوات المسلحة .
    6.في تقدير موقف القيادة العسكرية أن مرحلة نعم للحرب أتت أكلها وشكلت حاضنة قوية للمؤسسة العسكرية وانه أن الأوان وحتى تعبر القوات المسلحة بالبلاد الى بر الأمان فهي تحتاج إلى إسناد واجماع وطني يتمثل في مجموعة لا للحرب ، ومنبر جدة جدير باستقطاب هذه المجموعة ويبدو ذلك من خلال بيانات مجموعة (لا للحرب) التي ايدت استئناف مفاوضات جدة ، لذلك ووفقا لتقدير موقف قيادة القوات المسلحة فهي بحاجة إلى دعم مجموعة لا للحرب ايصا في هذه المرحلة ، فإن كانت مجموعة نعم للحرب تمثل صوت الداخل واغلبيته ، فإن مجموعة لا للحرب لها امتداداتها الخارجية من منطلق عمالتها بالطبع هذه الامتدادات تشمل دول إقليمية (أفريقية وعربية) وترويكا ( أمريكا وبريطانيا والنرويج) وهي مهمة لإنجاز مهام ما بعد الحرب .
  2. يظل امر الضغوط الخارجية سيما من الدول الغربية عاملا حاسما للتوجه نحو جدة ، فقد تدخلت هذه الدول بعمق لإغلاق ملف الحرب في السودان خلافا للازمات المشابهة في كل من اليمن وسوريا وليبيا ، التي لم تحظ بالاهتمام الذي حظي به السودان ، فرفع المجتمع الدولي يده عن الشأن السوداني يعني استمرار الحرب وتطورها وظهور مجموعة ( هواة التدخل الدولي) من صغار اللاعبين من دول ودويلات الإقليم العربي والافريقي واحداث مزيد من الفوضى في السودان .
  3. لكل هذه الأسباب وغيرها رأت القوات المسلحة أن تتوجه نحو منبر جدة للسلام وتقدم التنازلات اللازمة لتحقيق هذا السلام ( فما لايدرك كله فلا يترك جله ) ، وهذه قاعدة اصولية في العلوم الشرعية ( علم أصول الفقه) . لذلك عجمت القوات المسلحة مفاوضيها وتوجهت نحو التفاوض في جدة ، فالقوات المسلحة تقول شكر الله سعي حلفائها ، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، هذا السعي الذي عليه أن يستمر فمازال المشوار يحتاج إلى المزيد وتقول وهي تيمم وجهها شطر جدة يجب أن يتواصل دعم للقوات المسلحة لتحقيق الأهداف الوطنية العليا دون أن تنسى أن داعمي القوات المسلحة قد ابلوا بلاء حسنا بوقوفهم مع قواتهم المسلحة وهي تحقق كل هذه المكاسب . تحالف دعم القوات المسلحة ( تحالف جيش واحد شعب واحد ) يجمع كل السودانيين، ففيه الاسلاميون والعلمانيون والوطنيون واليساريون ايضا جزء من هذا التحالف في شكل أفراد ، وبذلك تم الإجماع الوطني لدعم القوات المسلحة كأكبر حشد وطني في تاريخ السودان بعد الإجماع الذي شهدته الثورة المهدية . ومن الطبيعي أن يستمر تحالف دعم القوات المسلحة ليصل إلى غاياته المتمثلة في الانتصار للسودان في ظل قيادة قواته المسلحة ودحر الخونة والعلماء ولعب دور محوري في مستقبل تاريخ السودان . على دعاة استمرار الحرب وعدم التفاوض ، أن يستمروا في دعمهم لقواتهم المسلحة دون افصاح عن سقف زمني او بنك أهداف لهذه الحرب ، فقد حققت هذه الحرب اهدافها والمتمثلة في أضعاف قوة الدعم السريع ، وارباك حلفائه من قحت . كما ان على مجموعة نعم للحرب أن يقبلوا ما قبلته القوات المسلحة من استئناف التفاوض ولا اقول ان لا يصبحوا ملوكا اكثر من الملوك أنفسهم ( القوات المسلحة) والتي قبلت أن تفاوض الدعم السريع ، فعليهم أن يكونوا مع القوات المسلحة في المنشط والمكره ، لا أن يتراجعوا عنها وهي تختار منصة التفاوض . مطلوب من أنصار الحرب أن يكونوا على قلب رجل واحد مع قواتهم لا أن يخلطوا عملا صالحا بآخر سيئ ، من المفترض أن يكون ( تحالف جيش واحد شعب واحد ) هو البديل السياسي الذي يزيح قحت وملحقاتها عن المشهد السياسي السوداني ، وذلك بعد تطوير هذا التحالف وجعله حزبا سياسيا يجمع شتات أحزاب السودان والشخصيات الوطنية والرموز الدينية وبذلك يكون هذا التحالف هو بوابة الجميع نحو العمل السياسي ببزوغ شمس الديمقراطية الرابعة بالبلاد أن شاء الله . تطوير تحالف دعم القوات المسلحة هو العمل الاستراتيجي المطلوب ، ليصبح حزبا سياسيا مؤهلا لحكم السودان ، موقف دعاة نعم للحرب من التفاوض قد يضعف هذا التحالف ويكشف ظهر القوات المسلحة وهذا ما يجب التنبه له .
قد يعجبك ايضا

اضف ردك !

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com