اخبار

ماذا حدث لمنظومة وقود الطائرات في السودان؟

اخبار السودان – يواجه قطاع الطيران السوداني واحدة من أعقد أزماته في العقود الأخيرة، تتمثل في تدهور منظومة وقود الطائرات التي تُعد العمود الفقري لتشغيل الرحلات الجوية وضمان السلامة واستقرار النقل الجوي في البلاد. فبعد أن كان السودان من الدول الرائدة إقليميًا في مجال خدمات الوقود الجوي، تحوّل اليوم إلى ساحة لمعاناة متراكمة بين غياب الرقابة واحتكار الشركات المحلية وارتفاع الأسعار.

حتى ثمانينيات القرن الماضي، كان مطار الخرطوم الدولي محطة إقليمية رئيسية للهبوط الفني للطائرات العابرة بين أوروبا وأفريقيا، بفضل منظومة وقود متكاملة تديرها شركات عالمية كبرى مثل شل وموبيل وتوتال. غير أن انسحاب هذه الشركات في بداية التسعينيات فتح الباب أمام دخول شركات محلية تفتقر إلى الخبرة التقنية والإدارية، لتبدأ مرحلة الانحدار في كفاءة الإمداد وجودة الوقود.

تفاقمت الأزمة مع مرور السنوات، إذ سيطرت جهات محدودة الخبرة على قطاع التخزين والتوزيع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات غير مسبوقة، لتصبح من الأعلى في أفريقيا والعالم العربي. كما أُضيفت رسوم جديدة أبرزها ما يُعرف بـ”رسوم الأنبوب”، في وقت توقفت فيه اختبارات الجودة والمطابقة التي كانت تُجرى وفق المعايير الدولية.

الأخطر من ذلك أن سلطة الطيران المدني فقدت دورها الرقابي على مستودعات الوقود في مطاري الخرطوم وبورتسودان بعد نقل إدارتها إلى شركات خاصة، الأمر الذي أدى إلى غياب الشفافية في التسعير وتحديد المسؤوليات عند وقوع أعطال أو حالات تلوث في الوقود.

في عام 2021، حاولت السلطات معالجة الأزمة من خلال اتفاق بين الطيران المدني والمؤسسة العامة للنفط لتزويد مطار الخرطوم بالوقود المكرر محليًا من مصفاة الجيلي بدلًا من الاستيراد عبر بورتسودان، إلا أن المشروع لم يرَ النور لأسباب إدارية وفنية، ما أبقى المنظومة على حالها.

ويشير خبراء في قطاع الطيران إلى أن المشكلة أصبحت فنية واقتصادية معقدة، تتشابك فيها عوامل الاحتكار وضعف المنافسة والتسعير غير الشفاف وغياب المساءلة القانونية، إضافة إلى فقدان قاعدة بيانات فنية دقيقة حول الإمداد بالوقود في البلاد.

واقترح مختصون سبع خطوات عاجلة لإصلاح المنظومة، أبرزها:

  1. إعادة تأهيل مزرعة الوقود بمطار الخرطوم وفق معايير JIG الدولية.

  2. فصل إدارة التخزين والتوزيع عن التسعير، ووضعها تحت إشراف مباشر من سلطة الطيران المدني.

  3. تنظيم تراخيص الشركات وربطها باعتماد فني من الإيكاو وهيئة المواصفات.

  4. إلغاء رسوم الأنبوب وتوحيد التسعيرة استنادًا إلى الأسعار العالمية.

  5. إعادة الشراكة مع شركات الوقود العالمية لتوفير الدعم الفني والمختبري.

  6. إنشاء وحدة مستقلة لإدارة الوقود تتبع الطيران المدني بميزانية خاصة.

  7. مراجعة عقود التخزين في الخرطوم وبورتسودان لضمان الشفافية وحماية المال العام.

في الخلاصة، تمثل أزمة وقود الطائرات مرآة لواقع قطاع الطيران السوداني الذي تضرر بشدة من غياب الحوكمة والتخطيط. وإن أراد السودان النهوض مجددًا بعد الحرب، فلا بد أن يكون إصلاح منظومة الوقود الجوي ضمن أولويات إعادة الإعمار، لأن استمرارها على هذا النحو يعني تعطيل حركة الطيران وربط البلاد بالعالم.

تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com