سودانير والثلاثة مليون دولار.. حينما ينقلب السحر على الساحر

أثار مقطع فيديو بثّته الصحفية أم وضاح جدلاً واسعاً حول أداء شركة الخطوط الجوية السودانية “سودانير”، وطرحت فيه تساؤلات عن صيانة طائرة الـA320 التابعة للشركة، وتأخر استلامها، بجانب اتهامات بإخفاقات إدارية، بل وسخرت من وجود ثلاثة ملايين دولار في خزائن الشركة رغم امتلاكها طائرة واحدة فقط أسمتها ساخرة: “عوينة أم صالح”.
والمقال ده الغرض منو وضع النقاط على الحروف وتوضيح الحقائق في محورين أساسيين، حتى لا تنقلب الرواية على رأس قائلها.
أولاً: المحور المالي والإداري
وجود ٣ مليون دولار في حسابات سودانير ما حاجة غريبة ولا “رزق ساقو ليهم الله ساي”، بل هو مؤشر واضح على قدرة الشركة على توليد إيرادات تغطي منصرفاتها التشغيلية من مرتبات وصيانة وخدمات لوجستية من مواردها الذاتية بدون ما تمد يدها لأي جهة خارجية.
سودانير ما شغالة “ركاب بس”، عندها أنشطة مهمة تدر أرباح كبيرة:
-
المناولة الأرضية
-
الشحن الجوي
-
التخزين
-
تموين الطائرات
-
التدريب والصيانة
الأعمال دي في عالم الطيران تعتبر الأصل الحقيقي لقوة الشركات، وتتطلب كوادر فنية عالية التدريب، قيمتهم لا تُقدّر بثمن، وهي البتحافظ على استمرارية التشغيل في ظروف البلد الصعبة.
يعني باختصار: الفلوس دي من شغل حقيقي، مش من نفخة إعلامية.
ثانياً: الإطار القانوني والإداري
سودانير كشركة حكومية ما شغّالة “على كيفها”، إنما مقيّدة بقوانين ومراجعات صارمة:
-
قانون الشراء والتعاقد لسنة 2011
-
لوائح وزارة المالية
-
قانون ديوان شؤون الخدمة
-
قوانين وزارة العدل
وبالتالي أي قرار مالي أو قانوني أو إداري لا يمر إلا عبر الجهات المختصة، ولا يمكن تجاوزه “بالنية الطيبة”.
صرف المرتبات واستحقاقات العاملين
المرتبات والامتيازات تُصرف وفق الهيكل الموحد للخدمة المدنية، وبموافقة إدارة الموارد البشرية التي يرأسها مدير منتدب من ديوان شؤون الخدمة.
يعني ما في أي تضارب ولا تجاوز، والمال المستخدم مال الشركة الذاتي، مش من وزارة المالية.
والمبدأ الشرعي والقانوني بيقول:
“أعطِ الأجير حقه قبل أن يجف عرقه”
سواء كان العامل داخل السودان أو اضطرته الحرب للجوء في بلد تانية.
بخصوص فيديو أم وضاح عن خطاب للمستشار القانوني
الكلام عن إن المستشار القانوني خاطب وزير المالية بوجود شروط معيبة في عقد الصيانة حديث لا يسنده واقع ولا إجراءات عمل المؤسسات الحكومية، لسببين مهمين:
-
المستشار القانوني منتدب من وزارة العدل، ولا يخاطب وزير المالية مباشرة، وإن وجدت ملاحظات قانونية فتمر حصراً عبر وزارة العدل.
-
توجد وحدة مراجعة داخلية منتدبة من وزارة المالية داخل الشركة، ولا تمر أي عملية مالية دون تدقيق ومطابقة مستندية وقانونية.
يعني باختصار:
لو في عقد معيب أو دفعيات مشبوهة كان وقفوها من بدري.
حول تكلفة صيانة الطائرة
تكلفة صيانة فحص Check C لطائرة Airbus A320 تتراوح بين 600 ألف إلى 1.5 مليون دولار حسب نطاق العمل المطلوب، والعمر التشغيلي للطائرة، وطبيعة الاستبدالات.
الفحص ده عملية دقيقة تشمل تفتيش شامل لأغلب مكونات الطائرة في مرافق معتمدة، وغالباً ما تتغير التكلفة النهائية بعد اكتشاف أعمال إضافية مطلوبة أثناء التنفيذ.
دا نهج معروف في شركات الطيران العالمية، وما يعني أبداً إنو في فوضى إدارية أو مال “طاير بدون ورق”.
القيمة النهائية مرتبطة بالعمل الفعلي على الأرض… ما بالأرقام الأولية.
الخاتمة
“سودانير” اليوم تمثل نموذج صمود وسط حرب تقاسمت موارد البلد وشتّتت مؤسساته.
بطائرة واحدة فقط، وقدرة مالية ذاتية، ومحافظة على حقوق عامليها، استطاعت الشركة تثبيت شغلها بالمنهج القانوني والحوكمة، ما جعلها صامدة ومتماسكة رغم الظروف.
وعليه:
السهام التي أُطلقت لمحاولة تشويه الصورة ارتدت لأصحابها
و”انقلب السحر على الساحر”.
فالشركة أثبتت أن الإدارة الواعية، والضبط القانوني، والاعتماد على الذات، قادر على حماية مؤسسات الدولة من الانهيار، وتقديم نموذج يُحترم ويستحق الإشادة.








