اخبار العالم

من أوروبا إلى القاهرة وتحوطات السودان .. كيف كشفت الهجمات السيبرانية هشاشة أنظمة الطيران العالمي؟

من أوروبا إلى القاهرة وتحوطات السودان .. كيف كشفت الهجمات السيبرانية هشاشة أنظمة الطيران العالمي؟
تقرير :
لم يعد الهجوم السيبراني شأناً يخص البنوك أو المؤسسات الحكومية فقط، بل باتت المطارات العالمية في قلب هذه الحرب الخفية. أحدث مثال جاء من أوروبا، حيث تعرّضت أنظمة شركة كولينز إيروسبيس الأميركية – المزود الرئيسي ببرمجيات التحقق والإقلاع – لهجوم واسع ليلة الجمعة، ما أدى إلى تعطل مؤقت في مطارات كبرى مثل هيثرو، بروكسل، برلين، دبلن وكورك. والنتيجة: آلاف المسافرين عالقون وإجراءات يدوية بديلة أعادت للأذهان مشاهد السفر في القرن الماضي.
لكن الجديد هذه المرة أن تداعيات الهجوم لم تبقَ داخل أوروبا، بل امتدت مباشرة إلى المطارات المصرية. فقد أعلنت وزارة الطيران المدني المصرية مساء السبت عن تأخيرات محدودة في وصول بعض الرحلات الأوروبية إلى مطار القاهرة الدولي، إضافة إلى مطاري الغردقة وسفنكس.
مصر.. طرف متأثر لا مستهدف
البيان المصري حرص على التأكيد أن رحلات شركات الطيران الوطنية لم تتأثر، وأن غرفة العمليات المركزية تتابع الموقف بالتنسيق مع السلطات الدولية. هذا يوضح أن مصر لم تكن هدفاً للهجوم، بل تأثرت بارتباطها التشغيلي بالمطارات الأوروبية. ورغم محدودية التأثير، إلا أن الحدث كشف بوضوح حجم الترابط بين أنظمة الطيران العالمية: عطل في لندن أو بروكسل يمكن أن يُربك جداول الرحلات في القاهرة خلال ساعات.
هشاشة الاعتماد على مورد واحد
القضية الأخطر التي يكشفها الهجوم هي الاعتماد الجماعي للمطارات على برمجيات شركة واحدة. فعندما أصيبت أنظمة كولينز إيروسبيس بالخلل، اهتزت معها حركة الطيران في قارات مختلفة. هذا الوضع يخلق “نقطة ضعف حرجة” قد يستغلها أي مهاجم سيبراني، ويضع مستقبل أمن الطيران تحت رحمة أطراف خارجية.
الجاهزية المصرية.. رسائل طمأنة
توجيهات وزير الطيران المدني سامح الحفني برفع مستوى الجاهزية في جميع المطارات المصرية، جاءت كخطوة استباقية لاحتواء أي تداعيات لاحقة. فإلى جانب الطمأنة الداخلية للرأي العام، يحمل القرار رسالة للخارج: أن مصر تدرك خطورة الموقف وتتعامل معه بمنهجية احترازية، وهو ما يعزز الثقة في بنيتها التحتية كدولة محورية في الربط الجوي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا.
أبعاد استراتيجية
الحادثة قد تفتح نقاشاً أوسع داخل مصر والمنطقة حول ضرورة بناء أنظمة سيبرانية رديفة، أو تطوير حلول محلية تقلل من الاعتماد الكلي على المزودين الدوليين. كما تضع الدول العربية أمام سؤال استراتيجي: هل نحن مستعدون لهجوم سيبراني مباشر على مطاراتنا؟
السودان.. الحاجة إلى ترفيع أمن الطيران بخطط عملية
تداعيات الهجوم لا تخص مصر وحدها. فهي جرس إنذار مباشر للسودان أيضاً، الذي يواجه تحديات مضاعفة في مرحلة ما بعد الحرب. التحسب لمثل هذه الهجمات يتطلب إعادة بناء منظومة أمن الطيران السوداني على أسس حديثة، مع ترفيعها لتضطلع بدورها الحقيقي ضمن أمن الدولة الاستراتيجي.
ويمكن للسودان أن يتحرك في عدة مسارات عملية:
1. إنشاء مركز وطني لأمن الطيران السيبراني: يتولى رصد التهديدات الرقمية والاستجابة السريعة لأي اختراق محتمل في أنظمة المطارات.
2. تدريب الكوادر الوطنية: عبر برامج متخصصة في الأمن السيبراني للطيران، بالتعاون مع الإيكاو والمنظمات الإقليمية، بما يضمن وجود خبرات محلية قادرة على التعامل مع أي أزمة.
3. بناء أنظمة رديفة (Backup Systems): بحيث تظل العمليات الأساسية للطيران (التحقق، الإقلاع، إدارة الحركة الجوية) قادرة على الاستمرار حتى في حالة سقوط النظام الرئيسي.
4. إعداد خطط طوارئ رقمية: تُمكّن المطارات من التحول الفوري إلى الإجراءات اليدوية المنظمة، بدلاً من الارتجال، لضمان استمرار الرحلات وتقليل الخسائر.
5. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: الانضمام لمراكز تبادل المعلومات حول الهجمات السيبرانية في الطيران، والاستفادة من تجارب مصر والدول الأخرى في بناء خط دفاع مشترك.
خاتمة
الهجوم الأخير ليس مجرد حادثة تقنية عابرة، بل إنذار صريح بأن الطيران المدني العالمي يقف على جبهة حرب جديدة. انتقال التأثير من أوروبا إلى مصر ثم دق ناقوس الخطر في السودان، يثبت أن الحدود الجغرافية لم تعد قادرة على حماية المطارات من تبعات الهجمات السيبرانية. المطلوب اليوم ليس فقط إجراءات مؤقتة لإدارة الأزمات، بل رؤية شاملة تجعل الأمن السيبراني جزءاً أصيلاً من أمن الطيران، على قدم المساواة مع المراقبة الجوية وأنظمة التفتيش الأرضي.
تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com