اخبار العالم

الإمارات والسودان.. نارٌ تحت الرماد !

منذ اندلاع النزاع المسلّح بين Sudanese Armed Forces (SAF) وRapid Support Forces (RSF) في السودان أواخر عام 2022 / أوائل عام 2023، شهدت البلاد تدهورًا مريعًا في الأوضاع الإنسانية، واشتداداً لتدخلات إقليمية دفعت بالأزمة إلى مستويات أشدّ خطورة. ومن بين تلك التدخّلات، تبرز بشكل لافت تدخلات United Arab Emirates، وهي تدخلات تُثير أسئلة جوهرية عن الدوافع، الوسائل، والنتائج، وعن مدى تأثيرها في تدمير السودان وإضعاف قدرته الوطنية.

هذا التقرير يستعرض، في شكل شامل، أبعاد الدور الإماراتي في السودان: من الاهتمام الاقتصادي والاستثماري، إلى دور التسليح والتمويل، وصولاً إلى التأثير على الملف الإنساني والسياسي، مع تسليط الضوء على تبعات ذلك على السودان وشعبه.


أولاً: خلفية العلاقة الإماراتية-السودانية

كانت الإمارات قد دخلت السودان منذ سنوات كشريك اقتصادي واستثماري مهمّ. بحسب تحليل لمقرّ “French Institute for Research in Africa”، فإن الإمارات ضمن دول الخليج التي تعاملت مع السودان حتى في حقبة العقوبات، عبر استثمارات كبيرة في التجارة، البنوك، الزراعة، والتعدين. Peoples Dispatch+1
حتى عام 2018، بلغت الاستثمارات الإماراتية في السودان نحو 7.6 مليار دولار، ثم أضيفت مبالغ ضخمة في السنوات التالية. Foreign Policy+1
في البداية، بدا الأمر وكأن الإمارات تستثمر في السودان من أجل تحقيق “تنمية” ومكاسب متبادلة. لكن مع تطوّر الطبخة السودانية الداخلية، تغيّر الغرض والدور، ليتحوّل الاستثمار إلى نافذة للنفوذ، والتدخل إلى أداة لتدمير الدولة الوطنية.


ثانياً: التحوّل من شريك اقتصادي إلى طرف فاعل في النزاع

دعم مباشر للفصائل المسلحة
في سياق الحرب القائمة، ظهرت أدلّة عدّة تفيد بأن الإمارات كانت من أبرز الجهات التي وقفت خلف RSF، سواء عبر تسليح أو تمويل أو دعم لوجستي. تقرير “European Council on Foreign Relations” (ECFR) يفيد بأن الإمارات هي “أكثر فاعل خارجي تأثيرًا” في السودان، وقد تم رصد علاقات سرّية بينها وبين RSF، إلى جانب شحنات أسلحة. European Council on Foreign Relations+1

“The UAE is the most influential external actor in Sudan’s conflict … reportedly supplying weapons to the RSF” European Council on Foreign Relations
كما وثّق موقع “Atlantic Council” قيام الإمارات بتمويل ودعم لوجستي يُقدّر بأنه أتاح لـ RSF مواصلة القتال وتشديد الخناق على المدن والمناطق المحاصرة. Atlantic Council
لكنه في المقابل، تنفي الإمارات رسميًا أن تكون قد ساندت المسلحين بأي شكل. Al Jazeera+1

موارد السودان: الذهب والتعدين
من المكونات الأساسية في هذا الدور الإماراتي كانت تجارة الذهب السوداني. فقد أصبح الذهب أحد أهم “وقود” الحرب، ووجهته الأساسية كانت الإمارات، حيث يُعتقد أن نحو 90 % من إنتاج الذهب السوداني يُهَرَّب خارج البلاد، وكثيرٌ منه يصل إلى الإمارات. Center for American Progress+2Peoples Dispatch+2

“Nearly all of the trade is channeled through the United Arab Emirates … The UAE is a top destination for gold smuggled from Sudan.” Peoples Dispatch
هذا الربط بين الموارد الطبيعية للنزاع والدور الخارجي يعكس بوضوح كيف أن الصراع في السودان لم يكن مجرد نزاع محلي على السلطة، بل أصبح ساحة صراع نفوذ وتجربة هيمنة، والإمارات كانت من أبرز اللاعبين فيها.

مشاريع استثمارية واجتماعية كواجهة
إلى جانب الاستثمار والتعدين، دخلت الإمارات في مشاريع بنية تحتية ضخمة في السودان. على سبيل المثال، مشروع ميناء “Abu Amama” على البحر الأحمر، والذي كان الاتفاق الأولي بين السودان والإمارات لتطويره بقيمة 6 مليارات دولار قد أُعلن في 2022. Wikipedia
لكن في نوفمبر 2024، ألغت الحكومة السودانية الاتفاق، متهِمة الإمارات بدعم RSF. Wikipedia
إذًا، ففي حين تُقدّم المشاريع الإماراتية كاستثمار وتنمية، فإنها في الواقع عملت كوسيلة لفرض النفوذ، وإضعاف الدولة الوطنية السودانية عبر جعلها أقل استقلالية وأكثر تبعية.


ثالثاً: تأثير التدخل الإماراتي على الأزمة السودانية

تفكيك الدولة وخلق بيئة من الفوضى
تداخل الدعم المالي والعسكري الخارجي مثل ذلك الذي يُدعى أن الإمارات قدمته لـ RSF ساهم في إطالة أمد النزاع، وإضعاف قدرة الدولة السودانية على الاستقرار. بحسب تحليل، فإن دول الخليج – وخصوصًا الإمارات – شجّعت على “نزاع بالوكالة” في السودان، من خلال دعم مليشيا RSF ضد الجيش. Foreign Policy
وبهذا، أصبح السودان “ساحة” لتجارب النفوذ الإقليمي، بدلاً من أن يكون ساحة لمصالحة وطنية. ووقوف الإمارات بهذا الاتجاه يُعد من العوامل التي حوّلت الانتقال الديمقراطي في السودان إلى مأزق كبير.

التدهور الإنساني والهجرة والنزوح
مع هذا الدعم الخارجي، ارتفع عدد الضحايا والنزوح في السودان الى أرقام كبرى. فعلى سبيل المثال، التقرير الصحفي للأسبوعية “Le Monde” ذكر أن حرب السودان باتت بشكل متزايد “مُشكّلة من قبل تدخلات خارجية”، وأن الدعم الإماراتي لـ RSF كان من بين العوامل التي فخّخت أي فرصة للسلام. Le Monde.fr
إن استمرار الصراع بهذه الصورة أدى إلى انهيار الخدمات، وتجويع ملايين، وتدمير البنية التحتية، وفي النهاية إلى مصير الوطن يعاني من تقطيع الأوصال والمراكز القوية.

خطر شرعنة المليشيا بدل الدولة
عندما يدعم فاعل خارجي مليشيا بدل المؤسسة الوطنية، تُضعف الدولة ومؤسساتها، وتصبح المليشيا هي القوة المهيمنة، وتُستبدل الأولوية من حماية المواطنين إلى خدمة مصالح المموّل الخارجي. هذا ما يشير إليه التقرير على أن الإمارات تعاملت مع RSF كـ “منفّذ لمصالحها في السودان” وليس كمكوّن ضمن الحل الوطني. European Council on Foreign Relations
وهذا يقود إلى استنتاج أن ما يجري في السودان ليس فقط “صراع داخلي”، بل “تفكيك الدولة” تدريجيًا لصالح من يريدون أن يكون له موطئ قدم في المنطقة، والبلد ليس سوى ضحية لذلك.


رابعاً: الأوجه القانونية والدبلوماسية للتدخل

الإجراءات القضائية والمطالب الدولية
في أبريل 2025، رفعت السودان دعوى أمام International Court of Justice (ICJ) ضد الإمارات بتهمة انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية بتزويدها مليشيا RSF بالسلاح والدعم، فيما نفت الإمارات جميع الاتهامات. Wikipedia+2Al Jazeera+2
في مايو 2025، قررت المحكمة أنها لا تملك الاختصاص في القضية، مما أثار غضب الخرطوم وأعاد النقاش حول الإفلات من العقاب. Reuters+1
وبالإضافة إلى ذلك، كثير من الحكومات والبرلمانات قامت بمطالبة الإمارات بوقف تدخلها، وفرض عقوبات على الكيانات المرتبطة بـ RSF أو عمليات تهريب الموارد كـ الذهب. Center for American Progress+1

الردود الإماراتية والدبلوماسية
الإمارات تنفي أي دعم مسلّح للـ RSF أو مشاركتها في صراع السودان، وتقول إن ما يُنشر “أكاذيب” و”دعاية”. Al Jazeera+1
لكن كثيرًا من الجهات تعتبر أن الإنكار لا يغلق الباب أمام التحقيقات، وأن الدعم المالي واللوجستي ربما تم بشكل غير رسمي أو عبر وسطاء، ما يجعل تتبّعه صعبًا ويُسهّل الإفلات من المساءلة.


خامساً: ما الذي تخسره السودان؟ وما الذي تكسبه الإمارات؟

خسائر السودان

  • استنزاف الذخائر والموارد البشرية، وتشريد الملايين داخليًا وخارجيًا.

  • تدمير المدن والبُنى التحتية وقذوفة الأمل في الانتقال الديمقراطي.

  • تفكيك وحدة الدولة والمجتمع، وخلق مناطق نفوذ محلية بديلا عن سلطة مركزية قادرة.

  • فقدان السيادة في اتخاذ القرار الوطني، وتحويل البلاد إلى ساحة لصراعات غيرها.

مكاسب الإمارات (حسب تحليل الموضوع)

  • نفوذ اقتصادي وتجاري أكبر في السودان، من خلال الاستثمار في الذهب، الزراعة، والموانئ.

  • اتصال استراتيجي بموانئ البحر الأحمر والمنطقة المحورية في التصعيد الإقليمي.

  • إمكانية استخدام السودان كموقع لابتزاز النفوذ الإقليمي أو كقوة ضغط ضمن المعادلات الخليجية-الإفريقية.

بمعنى آخر، بينما يدفع السودان الثمن الأكبر، يبدو أن الإمارات ربحّت من انتهار الدولة السودانية — ولو عبر أدوات غير مباشرة — ما يجعلنا نرى الأمر ليس فقط تدخلًا، بل استغلالًا منهجيًا لمصير بلد عانى كثيرًا.


سادساً: لماذا لا سلام طالٍ؟ ولماذا لا تنهار الإماراتيّة من المحاسبة؟

دعم قوة مسلحة بدلاً من الدولة الوطنية يُطيل الصراع، ويجعل من تحقيق سلام مستدام مهمة شبه مستحيلة. تقرير “The Guardian” يقول:

“Without its [UAE’s] direct and all-around support, the RSF would not have been able to wage war to the same extent.” The Guardian
كما أن تدخل الإمارات ضمن معادلات النفوذ الخليجية-الإفريقية يجعلها طرفاً مركباً: من جهة تدّعي الوساطة والحوار، ومن جهة أخرى تُمارس نفوذًا عسكريًا واقتصاديًا مباشراً.
أما عن المساءلة، فإن النظام الدوليّ يعاني من ضعف في تطبيق العقوبات وحظر التدخل، خصوصًا إذا كان الفاعل من أصحاب القوة والنفوذ المالي. الإمارات تستفيد من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، ما يجعل محاسبتها صعوبة — وهو ما أدى إلى وصول القضية إلى المحكمة الدولية وانتهائها بعدم اختصاصها، ما أعطى شعوراً بأن هناك حماية ما للفعل الإماراتي.


سابعاً: مخرجات وتوصيات لمسار السودان

لكي يتجاوز السودان هذه الأزمة، ولمعالجة الدور الإماراتي وغيره من التدخلات، فإن هناك عددًا من التوصيات يمكن أن تُطرح:

  1. تحقيق دولي-مستقلّ في تسليح وإمداد المليشيات، وتتبع مسار الذهب المهرب وموارد التعدين.

  2. فرض عقوبات مستهدِفة على الأطراف التي تثبت مشاركتها بتسليح أو تمويل الصراع، بغض النظر عن رتبتها أو علاقتها الاقتصادية.

  3. تعزيز السلطة المدنية الوطنية في السودان، وضمان أن أي عملية سلام لا تأتي من الخارج فقط، بل من الداخل وبقيادة وطنية.

  4. إدارة الموارد الطبيعية بشفافية ومحاسبة كل من يعبّر عن نهبها أو استخدامها لتمويل الحرب.

  5. دعم المجتمع المدني السوداني والمنظمات الإنسانية التي تحاول سد فراغ الدولة وتخفيف المعاناة.

  6. ضغط دولي وإقليمي موحّد لوقف التدخلات الخارجية التي تحول السودان إلى ورقة في صراعات القوى الكبرى.


الخاتمة

إن ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد صراع داخلي بين جيش ومليشيا، بل تجسيدٌ صارخٌ لتداخل النفوذ الاقتصادي والعسكري الخارجي في مصير هذا البلد الشقيق. الإمارات، بمختلف أدواتها – الاستثمارية، العسكرية، الاقتصادية – لعبت دورًا مركزيًا في هذا التداخل، وأضحت أحد الأسباب الرئيسية لتطويل النزاع وتدمير الدولة.
السودانيون يدفعون سعرًا باهظًا: وطنٌ مكلوم، شبابٌ هاربون، ممتلكات مدمّرة، ومستقبلٌ ينهشوه الأطراف الخارجيون قبل الوطنيون.
وعلى المجتمع الدولي أن ينظر بجدّية إلى أن “السلام” لا يكتمل إلا حين تُستعيد الدولة السودانية سيادتها، ويُقطع عهد الاستثمار في الحرب باسم التنمية أو النفوذ.
فمن تآمر على مستقبل السودان لا يمكن أن يدّعي التودّد إليه فيما بعد. السودانيون يستحقون أجمل من أن يُستَغَل وطنهم كميدان لتجارب القوى.

تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com