اخبار
قطاع الطيران السوداني وضرورة تغيير الثقافة

قطاع الطيران السوداني وضرورة تغيير الثقافة
بقلم: إبراهيم عدلان
في عالم الطيران، لا تُقاس الجودة فقط بحداثة الأجهزة أو كثرة البنى التحتية، بل تُقاس في المقام الأول بعقلية العاملين، وانضباطهم، وشفافيتهم، وقدرتهم على أداء مهامهم بكفاءة ومسؤولية. ومن هنا تبرز أهمية الحديث عن ضرورة تغيير ثقافة العمل في قطاع الطيران السوداني كأحد أهم مدخلات الإصلاح، بل وكمقدمة لا غنى عنها في أي مشروع نهضوي للقطاع.
أولاً: أين تكمن المشكلة؟
رغم ما يمتلكه السودان من رصيد تاريخي مشرف في مجال الطيران، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت بوضوح عن تراجع ملحوظ في أداء معظم مكونات القطاع. ويرجع هذا التراجع إلى أسباب متشابكة، أبرزها:
• غياب ثقافة المسؤولية الجماعية، وتفشي الفردية والمحسوبية على حساب روح الفريق والعمل المؤسسي.
• الجمود الإداري والتكلّس المؤسسي، حيث تُمارس المهام بأسلوب روتيني خالٍ من المبادرة أو التحديث.
• ضعف آليات الرقابة والمساءلة، مما خلق بيئة تسمح بتمرير الأخطاء وتكرارها دون علاج جذري.
• انتشار سلوك التعالي والبيروقراطية المُعيقة، حيث يظن بعض الموظفين أن المنصب تشريف، بينما الحقيقة أن الوظيفة العامة هي تكليف وخدمة للشعب.
• عدم وجود إطار مرجعي للسلوكيات المهنية، يُنظّم العلاقة بين الموظف والجمهور، وبين الفرد والمؤسسة، في غياب مدوّنة سلوك واضحة وملزمة.
ثانيًا: مدوّنة السلوك الوظيفي المقترحة
في ظل غياب ميثاق أخلاقي مهني، يصبح الموظف عرضة للاجتهاد الخاطئ، ويضعف شعوره بالمساءلة. ومن هنا تنبع الحاجة إلى مدوّنة سلوك وظيفي خاصة بالعاملين في قطاع الطيران السوداني، يتم إعدادها واعتمادها وربطها بالعقود والتقييمات السنوية.
1. القيم المؤسسية العامة
• النزاهة – الشفافية – الحياد – المهنية – الانضباط – الإخلاص في أداء الواجب – احترام الكرامة الإنسانية.
2. الواجبات الأخلاقية والسلوكية
• التعامل بلُطف واحترام مع الزملاء والمسافرين والجمهور.
• الامتناع عن أي سلوك ينمّ عن تعالٍ أو ازدراء أو تهكّم.
• تقديم الخدمة بكفاءة وبدون تأخير غير مبرر.
• الحفاظ على اللباقة والمظهر اللائق داخل بيئة العمل.
• إذا كنت من العاملين المتصلين مباشرة بالجمهور – كمقدّمي الخدمات في المطارات أو مكاتب الشركات – فعليك أن تتقن “فن الابتسامة”، فهي ليست مجاملة، بل أداة مهنية تعكس الثقة والاحترام وتخفف التوتر وتُشعر المسافر بالترحيب.
• وإن كنت أحد منتسبي سلطة الطيران المدني، فاعلم – يا رعاك الله – أن من واجبك أن تكون مُيسّراً للعميل لا مُعقِّداً عليه، وأن تبذل قصارى جهدك في إيجاد الحلول، لا أن تبحث عن المعوقات أو تَتَمسّك بالشكليات التي لا فائدة منها. فالفَهم الصحيح للوائح يجب أن يكون في خدمة الناس، لا في إرهاقهم.
• الامتناع عن استغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية أو محاباة.
3. الواجبات المهنية والإدارية
• الالتزام التام بالقوانين واللوائح المنظمة للطيران المدني.
• تنفيذ الأوامر الإدارية دون إبطاء، شريطة ألا تخالف القانون.
• الحفاظ على سرية المعلومات والوثائق المتعلقة بسلامة الطيران أو خصوصية المسافرين.
• التبليغ عن أي تجاوزات أو ممارسات تضرّ بالمرفق أو تعرض السلامة الجوية للخطر.
4. الانضباط الزمني والإداري
• الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف.
• الامتناع عن التغيب غير المبرر أو التهاون في أداء المهام.
• احترام التسلسل الإداري، وعدم تجاوز الصلاحيات.
5. المساءلة والمحاسبة
• إنشاء وحدة مستقلة لمتابعة الالتزام بمدوّنة السلوك، ترتبط مباشرة بالإدارة العليا.
• تصنيف المخالفات إلى (بسيطة – متوسطة – جسيمة)، مع تحديد العقوبات المناسبة.
• تمكين الموظفين من تقديم الشكاوى والتظلمات بسلاسة، مع توفير الحماية من الانتقام الإداري.
6. التحفيز والتمييز الإيجابي
• إدراج الالتزام السلوكي كعنصر أساسي في الترقيات والتقييمات.
• إبراز النماذج المتميزة في الأداء والانضباط لتكون قدوة للآخرين.
7. المراجعة الدورية
• مراجعة المدوّنة كل عامين على الأقل، لمواءمتها مع التطورات التشريعية والتنظيمية ومعايير الإيكاو.
ثالثًا: التوصيات العملية
• إطلاق حملة وطنية توعوية تحت شعار “خدمة لا سلطة”، لتصحيح مفاهيم الوظيفة العامة.
• تضمين المدوّنة ضمن العقود والتدريبات الإجبارية لكل العاملين الجدد والقدامى.
• تحويل معهد الطيران المدني إلى مركز إشعاع مهني في التدريب على أخلاقيات الخدمة العامة وسلوك التعامل مع الجمهور.
• إنشاء بوابة إلكترونية آمنة لتلقي الشكاوى المتعلقة بالسلوك الإداري والتعامل مع الجمهور.
• تقييم دوري لمستوى الرضا المهني والجماهيري عن بيئة العمل ومخرجات الخدمة.
خاتمة
لا يمكن النهوض بقطاع الطيران السوداني دون إصلاح شامل في ثقافة العمل. فالتقنيات تُشترى، والبنى التحتية تُبنى، ولكن الإنسان المؤهل والمتحضر في سلوكه هو العنصر الحاسم في كل نهضة.
الموظف العام ليس سيداً على المواطن، بل هو خادمٌ مكلفٌ بخدمة شعبه باحترام وتواضع.
وما لم نبدأ هذا الإصلاح من الداخل – من العقول والنفوس – فستظل قوانيننا بلا روح، ومؤسساتنا بلا أثر، وأحلامنا بلا أجنحة.
اسفل الموقع