منوعات

وفاة الفنان الكبير عبد القادر سالم… أيقونة الموسيقى السودانية 

وفاة الفنان الكبير عبد القادر سالم… أيقونة الموسيقى السودانية

ودّع السودان، صباح اليوم الثلاثاء، أحد أعمدة فنه وموسيقاه التراثية، بوفاة الفنان الكبير عبد القادر سالم عن عمر ناهز 79 عاماً، بعد مسيرة استثنائية امتدت لعقود من العطاء الفني والأكاديمي، أسهم خلالها في ترسيخ مكانة الموسيقى السودانية محلياً وعالمياً.

وأعلن نجل الراحل خبر الوفاة في مقطع مصور نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، موضحاً أن والده انتقل إلى جوار ربه صباح اليوم، على أن تُقام مراسم التشييع والدفن في مقابر حمدالنيل بمدينة أم درمان، وسط مشاركة واسعة من محبيه وأسرته ورفاق دربه الفني.

مسيرة فنية راسخة

يُعد عبد القادر سالم واحداً من أبرز رموز الأغنية السودانية منذ سبعينات القرن الماضي، حيث لمع اسمه مطرباً وملحناً وباحثاً موسيقياً، وارتبط مشروعه الفني بتوثيق الموسيقى التراثية وتقديمها في قوالب حديثة دون التفريط في أصالتها.

وُلد الراحل عام 1946 بمدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، وشكّلت موسيقى إقليم كردفان جوهر تجربته الفنية، إذ عمل على إبراز إيقاعاتها وأنماطها الغنائية، حتى أصبح مرجعاً أساسياً في موسيقى المنطقة وواحداً من أهم من نقلها إلى الفضاء القومي والدولي. وقد قضى أيامه الأخيرة في الخرطوم بعد عودته أواخر العام الماضي إلى منزله بحي الثورة في أم درمان، عقب رحلة علاجية طويلة خارج البلاد.

إرث غنائي خالد

خلّف عبد القادر سالم إرثاً فنياً غنياً، تمثل في أكثر من 40 عملاً غنائياً مسجلاً بالإذاعة السودانية، إضافة إلى نحو 10 أعمال مصورة (فيديو كليب) جرى تصويرها في مناطق مختلفة من كردفان، وهي محفوظة ضمن أرشيف التلفزيون القومي.

ويعكس هذا الإنتاج تنوع تجربته ووعيه بأهمية توثيق التراث الموسيقي بالصوت والصورة، ليبقى حياً في الذاكرة الثقافية للأجيال المتعاقبة.

الباحث والمثقف الموسيقي

لم يكن عبد القادر سالم فناناً مؤدياً فحسب، بل عُرف أيضاً كباحث جاد في الموسيقى التراثية السودانية، وشارك في العديد من المحاضرات والندوات والأوراق العلمية التي تناولت الموسيقى الشعبية وأبعادها الثقافية والاجتماعية. وقد منح هذا البعد الأكاديمي مسيرته خصوصية نادرة، جمع فيها بين الإبداع الفني والدراسة العلمية المتخصصة.

المسار الأكاديمي

تخرّج الراحل في معهد إعداد المعلمين بمدينة الدلنج، وعمل في مجال التعليم، قبل أن يُبتعث إلى المعهد العالي للموسيقى والمسرح، حيث نال درجة البكالوريوس عام 1970.

وفي عام 2002 حصل على درجة الماجستير عن أطروحته المعنونة:
«الغناء والموسيقى لدى قبيلة الهبانية بجنوب كردفان»،
ثم نال درجة الدكتوراه في الفنون (موسيقى) من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا عام 2005، عن أطروحته:
«الأنماط الغنائية بإقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها».

كما أصدر مؤلفاً علمياً مهماً بعنوان:
«الغناء والموسيقى التقليدية بإقليم كردفان»، الذي يُعد مرجعاً أساسياً في دراسة الموسيقى السودانية.

حضور عالمي مشرّف

امتد تأثير عبد القادر سالم إلى خارج حدود السودان، وكان من أوائل الفنانين السودانيين الذين حققوا حضوراً لافتاً في أوروبا منذ عام 1984، وشارك في مهرجانات موسيقية كبرى في فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والسويد وسويسرا وإيطاليا والدنمارك، إلى جانب مشاركات في دول إفريقية وآسيوية، من بينها الكويت ونيجيريا وتشاد واليابان وكوريا الجنوبية.

وقد أسهم هذا الحضور في التعريف بالموسيقى السودانية عالمياً، وترسيخ صورة السودان كبلد غني بتنوعه الثقافي والتراثي.

أوسمة وتكريم

نال الراحل خلال مسيرته عدداً من الأوسمة والجوائز، أبرزها:

  • وسام العلوم والآداب الفضي (1976)

  • جائزة الدولة التشجيعية (1983)

وهي تكريمات عكست تقدير الدولة والمؤسسات الثقافية لدوره الريادي في خدمة الفن والتراث، وإسهاماته التي تجاوزت الغناء إلى البحث والتوثيق العلمي.

إرث لا يرحل

برحيل عبد القادر سالم، يفقد السودان قامة فنية وثقافية فريدة، أسهمت في صياغة ملامح الموسيقى السودانية الحديثة، وربطها بجذورها الشعبية العميقة. جمع الراحل بين الصوت المميز، والرؤية الواعية، والبحث الأكاديمي الرصين، ليترك إرثاً سيظل حاضراً في الوجدان السوداني.

وسيظل اسم عبد القادر سالم محفوراً في ذاكرة الفن السوداني، ليس فقط كفنان كبير، بل كمؤرخ للموسيقى، وحارس أمين لتراث ظل يؤمن بأنه هوية وطن وروح شعب لا تموت.

رحم الله عبد القادر سالم، وألهم أهله ومحبيه وطلابه الصبر والسلوان.

تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com