من يشعل النار في سلة غذاء العالم؟ أزمة الجوع في السودان

من يشعل النار في سلة غذاء العالم؟ أزمة الجوع في السودان
اخبار السودان – لطالما عرف السودان في الوجدان الشعبي بأنه أرض الخير و”سلة غذاء العالم”، حيث تربته الخصبة وأنهاره الوفيرة وثروته الحيوانية الهائلة تجعل من أي بذرة تُزرع فيه قصة نجاح محتملة. ففي الستينيات، برز السودان كمركز زراعي عالمي بفضل مشروع الجزيرة، أحد أكبر المشاريع الزراعية المروية في العالم، بالإضافة إلى ثرواته المعدنية والنفطية. لكن هذه الوفرة لم تتحول إلى رخاء، بل إلى أزمة غذائية متكررة ومجاعة تعصف بالبلاد.
ثروة السودان الزراعية بين الوفرة والإهمال
تعتبر الأراضي الزراعية القلب النابض للاقتصاد السوداني. فمشروع الجزيرة، الذي أنشئ عام 1925 على ضفاف نهري النيل الأزرق والأبيض، امتد على نحو 2.5 مليون فدان، وكان ينتج في ذروته أكثر من نصف مليون طن من القطن عالي الجودة سنويًا، إضافة إلى الحبوب والزيوت والفول السوداني والقمح والذرة والدخن والخضروات.
ومع ذلك، فإن هذا المشروع الكبير تدهورت بنيته التحتية، وتراجعت إنتاجيته بسبب توقف التمويل الحكومي، ما دفع المزارعين للابتعاد عن زراعة القمح والاعتماد على محاصيل أقل تكلفة. الحرب والصراعات الأخيرة، بما في ذلك سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من الأراضي، زادت من تدهور الإنتاج الزراعي وأوقفت أي جهود لإحياء المشروع.
المياه في السودان: ثروة مهدورة
رغم امتلاك السودان لمصادر مائية هائلة، إلا أن البلاد تواجه فقرًا مائيًا حادًا. فتقدّر الأمطار السنوية بحوالي 440 مليار متر مكعب، بينما لا يتبقى فعليًا للاستخدام سوى نحو 30 مليار متر مكعب. هذا الرقم يشمل حصة السودان من مياه النيل (18.5 مليار م³)، والأنهار والجداول (7 مليارات م³)، والمياه الجوفية (4 مليارات م³). وبقسمة هذا على عدد السكان (45-50 مليون نسمة)، يحصل الفرد على أقل من 760 متر مكعب سنويًا، أي دون الحد الأدنى للفقر المائي العالمي (1000 م³ للفرد).
كما توجد معوقات مزمنة مثل الفيضانات، تراكم الطمي، تآكل ضفاف الأنهار، التلوث، وضعف مؤسسات الحوكمة، ما يجعل إدارة المياه بكفاءة تحديًا كبيرًا. وهناك مقترحات لاستغلال المزيد من الموارد المائية، لكنها مكلفة بيئيًا واجتماعيًا.
الثروة الحيوانية: إمكانات غير مستغلة
السودان غني بالثروة الحيوانية، حيث يضم نحو 32 مليون رأس من الأبقار، و41 مليون رأس من الأغنام، و32 مليون رأس من الماعز، بالإضافة إلى 5 ملايين جمل. أي ما مجموعه أكثر من 110 ملايين رأس، وفق تقارير وزارة الثروة الحيوانية لعام 2022، ما يجعل السودان ضمن الدول الأفريقية الكبرى في هذا المجال.
لكن هذه الثروة غالبًا ما تُصدر خامًا دون أي قيمة مضافة، ما يحرم الاقتصاد السوداني من بناء صناعات غذائية وتجهيزات جلدية توفر آلاف الوظائف وتدعم التنمية المستدامة.
السودان اليوم: ثروة كبيرة وأزمة غذاء حادة
رغم كل هذه الإمكانات الطبيعية والزراعية والحيوانية، فإن السودان يواجه اليوم واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم. بحسب برنامج الغذاء العالمي، يحتاج ثلثا سكان البلاد إلى مساعدات عاجلة، ويواجه الملايين خطر الموت جوعًا. إن البلاد التي كانت تُعرف بـ”سلة غذاء العالم” أصبحت نموذجًا للمفارقة السودانية: ثروة كبيرة بلا تنمية، وموارد غنية تتحول إلى عبء بدلاً من أن تكون مصدر رخاء.