
الاختفاء القسري في السودان.. المأساة مستمرة
في ظل الحرب التي تشهدها السودان منذ أبريل 2023، تتزايد أعداد المدنيين المفقودين بشكل مقلق وسط تصاعد أعمال العنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كشف مركز “مفقود” المختص بتوثيق حالات الاختفاء القسري عن ارتفاع صادم في عدد الحالات، حيث تم توثيق أكثر من 990 حالة اختفاء قسري منذ اندلاع الحرب، بينها 95 امرأة وما لا يقل عن 50 طفلاً. وتشير التقارير الحقوقية إلى أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير بسبب صعوبات التوثيق والقيود المفروضة على نقل المعلومات في المناطق المتأثرة بالصراع.
أرقام صادمة
وفقاً لتقرير صادر عن مركز “مفقود”، تتركز حالات الاختفاء القسري بشكل رئيسي في المناطق التي تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع. وقد وثق المركز 127 حالة في منطقة جبل أولياء جنوب العاصمة الخرطوم، بينما سجلت ولاية الجزيرة النصيب الأكبر من الضحايا، حيث بلغ عدد المفقودين فيها 471 شخصاً.
وتؤكد مصادر حقوقية أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الكامل، إذ إن العديد من الحالات لم يتم توثيقها بسبب انقطاع شبكات الاتصال وصعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة بالحرب. كما أن بعض الأسر تتردد في الإبلاغ عن حالات الاختفاء خوفاً من الانتقام أو التعرض للابتزاز من قبل الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
**الاختفاء القسري: أداة لإرهاب المدنيين**
تشير التقارير إلى أن مليشيا الدعم السريع تستخدم الاختفاء القسري كأداة ممنهجة لإرهاب المجتمعات المحلية وإسكات الأصوات المعارضة. وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا انتهاكات واسعة النطاق، تتراوح بين القتل والاعتقال والاغتصاب والاختطاف والاختفاء القسري.
وقد وثقت منظمات حقوقية وجود سجون سرية تديرها المليشيا في مناطق مختلفة، حيث يتم احتجاز المئات في ظروف غير إنسانية. وتشير شهادات الناجين إلى أن بعض هذه السجون تقع في الطوابق الأرضية للبنايات العالية، بينما توجد أخرى تحت الأرض. كما أفادت تقارير بوفاة عشرات المحتجزين داخل هذه الزنازين بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي.
تحديات التوثيق
يواجه الناشطون وأسر الضحايا صعوبات جمة في توثيق حالات الاختفاء القسري، أبرزها انقطاع شبكات الاتصالات ووسائل النقل، مما أدى إلى عزل العديد من المناطق وجعل الوصول إليها شبه مستحيل. بالإضافة إلى ذلك، أدى النزوح الجماعي وانشغال الأهالي بالبحث عن مأوى آمن إلى تراجع عمليات التوثيق.
كما أن بعض العائلات تتعرض لتهديدات مباشرة أو طلبات فدية مقابل الإفراج عن أبنائهم المختفين، مما يزيد من صعوبة الإبلاغ عن هذه الحالات.
دعوات للمجتمع الدولي
دعا مركز “مفقود” والمجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري المجتمع الدولي إلى دعم جهود البحث عن المفقودين وتقديم المساعدة القانونية والإنسانية لعائلات الضحايا. وأكدت المنظمات الحقوقية أن جرائم الاختفاء القسري لا تسقط بالتقادم، وأن المسؤولين عنها يجب أن يواجهوا العدالة، سواء خلال الحرب أو بعد انتهائها.
كما طالبت منظمات حقوقية بفتح تحقيقات دولية مستقلة للكشف عن مصير المختفين ووضع حد لهذه الانتهاكات التي تنتهك الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
**خاتمة**
مع استمرار الحرب في السودان، تزداد المخاوف بشأن مصير المختفين قسراً، وسط غياب أي مؤشرات على محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وبينما تعيش عائلات الضحايا في حالة انتظار مؤلمة، يظل الأمل قائماً في أن تكشف العدالة يوماً ما عن مصير أحبائهم، وتضع حداً لواحدة من أبشع صور الانتهاكات الإنسانية في السودان.