
ولأن حرب الخامس عشر من أبريل عام 2023 اندلعت بغتة فقد تقطعت السُبل بمعظم منسوبي الطيران بالخرطوم الذي عانوا كثيرا خاصة في الأيام الأولى، وفي إطار توثيقنا لتلك الفترة العصبية فإن قصة بطلها المُهندس السوداني ببدر للطيران سرالختم النور توضح عن أصالة الشعب السوداني وحرصه وقتها على حماية ضيوفه من الأجانب الذي وقعوا في مرمى النيران وواجهوا ظروف عصيبة.
وقتها وبعد مرور أربعة أيام على اندلاع الحرب فقد تواصل المهندس سرالختم النور خريج جامعة كرري للتقانة والذي عمل في القوات السودانية الجوية 12 عاماً إلى أن إنتقل لطيران بدر عام 2005، مع المهندسين الأجانب الذين يعملون معه بشركة بدر ومنهم المهندس الصربي بانا والارمني ارسن، وقد طلبوا منه الحضور لاخراجهم من سكن الشركة بشارع 51 بحي العمارات بوسط الخرطوم لانعدام الكهرباء والماء ووجود مخاطر بسبب تبادل إطلاق النار.
وقرر المهندس سرالختم اصطحابهم إلى منزله بالصحافة شرق مربع 31 وكان برفقته شقيقه فني بصريات محمد النور وصديقه خالد محمد الحسن ولكن وجد أنه محدود المساحة فكان أن اجري اتصالات باصدقاءه بالطائف واركويت ووجد لهم شقة بالخرطوم شرق وقرر أن يذهبوا لاخراجهم إليها.
وكان هنا التحدي الحقيقي لأنهم تحركوا في وقت كانت الحرب على اشُدها ولكن قرروا أن يغامروا من أجل نجدة ضيوف البلاد وزملاء المهندس، وبالفعل تحرك المهندس وشقيقه على متن سيارة “حافلة” وكان ازيز الطيران الحربي وأصوات الاعيرة النارية والمضادات يحط بهم من كل مكان، اجواء رعب حقيقية، وبعد معاناة وضغط نفسي وصلوا إلى مكان بالقرب من شارع المطار ووجدوا أن سيارة لقوات الدعم السريع المتمردة تقف بالقرب من سكن المهندسين الأجانب فلم يجدوا غير الإتصال هاتفيا عليهم ليخرجوا.
وبالفعل هذا ماحدث، ثم تحركت بهم العربة بحذر بشارع المطار ثم بالقرب من مستشفى إبراهيم مالك حتى الفردوس شارع مطعم الشايقي حيث وجدوا لهم سكن أكثر أمان من شقة الطائف توجد في عمارة محمد جايلي، وبعد ذلك عادوا مجددا إلى حيث سكن المهندسين فكان أن اخرجوا من تبقى على دفعات وكان آخرهم مهندسين من اليمن وهما عادل وحيدر معهما أسرتيهما، وأخيراً وبعد ساعات من الرُعب تنفس المهندس سرالختم الصعداء بعد إجلاء زملائه الأجانب من العمارات.
ولأن حي الصحافة كان قريب من موقع الحرب إنتقل المهندس سرالختم وأسرته إلى حي ابو آدم، وبعد ايام قليلة إتصل عليه المهندسين بعد أن شعروا مجددا بالخطر وطلبوا منه إخراجهم لأنهم قرروا السفر إلى مصر، مجددا خاض مع شقيقه محمد مغامرة اصطحابهم من سكنهم بالفردوس إلى حي ابو آدم حيث كانت تقف البصات التي تغادر إلى مصر فيما اختار اليمنيين السفر إلى بورتسودان، وظلّ بتابع معهم حتى وصلوا إلى وجهاتهم بسلام.
ويقول الأستاذ بقسم الطيران بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا والمهندس بطيران بدر سرالختم النور أن واجبهم ورغم المخاطر التي كانت تحدق بهم كان إخراج زملائه الأجانب الذين مايزال التواصل بينهم مستمرا ولم ينسوا وقفته معهم، ويتمنى أن يعود الإستقرار للبلاد وان يعوض الله شركة بدر وأرسل تحياته لمن وصفه بالرجل الصابر القوى المهندس أحمد عثمان ابوشعيرة على الخسائر التي لحقت بالشركة، كما ترحّم على الفريق الفاتح عروة الذي أشار إلى أنه قدّم الكثير للطيران بالبلاد.