مقالات الراى

صرخة في وادي الدم كيف مزقت مليشيا الدعم السريع نسيج السودان وحولت أحلام شعبه إلى كابوس

تقرير مفصل عن جرائم المليشيا في اي مكان من ربوع السودان

حين تسقط الإنسانية في وحل المليشيات

في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، لم تكن طلقات الرصاص التي اخترقت سماء الخرطوم إيذاناً ببداية حرب فحسب، بل كانت إعلاناً صريحاً عن موت الضمير الإنساني في قلب السودان. لقد تحولت مليشيا “قوات الدعم السريع”، التي نشأت من رحم ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة، إلى آلة تدمير لا تعرف الرحمة، جابت المدن والقرى، وحولت كل شبر تطؤه أقدامها إلى مسرح لجريمة بشعة تلو الأخرى. هذا التقرير ليس مجرد سرداً للأحداث، بل هو صرخة مدوية في وجه صمت العالم، وشهادة دامغة على المأساة التي يعيشها شعب السودان، ضحية وحشية لا تُوصف. إن ما ارتكبته هذه المليشيا المسلحة يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي أنماط ممنهجة من الوحشية تهدف إلى ترويع وتشريد وإخضاع المدنيين الأبرياء.
لقد وثقت التقارير الدولية، وعلى رأسها بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان [1]، ومنظمة العفو الدولية [2]، وهيومن رايتس ووتش [3]، أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت “مجموعة مروعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان والجرائم الدولية”. إن هذه الجرائم ليست حوادث فردية، بل هي سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير الدولة والمجتمع السوداني، وتحويله إلى ركام من الخوف والدمار.

الفصل الأول: العنف الجنسي كسلاح حرب.. اغتصاب الكرامة الوطنية

إن أبشع فصول هذه المأساة هو استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب ممنهج ومروع، يهدف إلى كسر الروح المعنوية للمجتمع وإذلاله. لقد ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها جرائم اغتصاب واغتصاب جماعي واستعباد جنسي، وهي أفعال ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية [1].

1.1. الاستهداف الممنهج والعنف المستشري

تشير التقارير إلى أن العنف الجنسي كان موجهاً بشكل خاص ضد النساء والفتيات، وغالباً ما كان يترافق مع أعمال عنف أخرى كالقتل والنهب [4]. هذه الجرائم لم تستهدف الأفراد فحسب، بل استهدفت كرامة المجتمع السوداني بأكمله، ومزقت نسيجه الاجتماعي بأبشع الطرق. منظمة العفو الدولية وصفت استخدام الدعم السريع للعنف الجنسي بأنه “مروع ومستشرٍ” [2].
الاغتصاب الجماعي: تم توثيق حالات عديدة لاغتصاب جماعي في منازل المدنيين، وفي الأسواق، وحتى في مراكز الإيواء، مما يدل على أن هذه الجرائم لم تكن نتاج تصرفات فردية عابرة، بل كانت جزءاً من سلوك ممنهج يهدف إلى إذلال وترويع السكان.
الاستعباد الجنسي: في بعض المناطق، تم استخدام النساء كـ “جواري” أو “سبايا” في شكل من أشكال الاستعباد الجنسي، وهي ممارسات تعيد إلى الأذهان أحلك عصور التاريخ وتؤكد على انعدام أي وازع ديني أو أخلاقي لدى مرتكبيها [1]. هذه الجرائم، التي تُرتكب في وضح النهار، هي وصمة عار على جبين الإنسانية.

1.2. شهادات مروعة تروي حجم الفظاعة

إن الوقائع المروعة التي وثقتها المنظمات الدولية تفوق كل تصور. تخيل امرأة تهرب من جحيم الحرب لتجد نفسها في قبضة وحوش بشرية لا تعرف الرحمة. لقد تحدثت بعثة الأمم المتحدة عن توثيقها “لنطاق واسع من العنف الجنسي” [5].
شهادة من دارفور: “حدثتنا ريهام بعد أن اضطرت للنزوح من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى أحد معسكرات النزوح، قائلة: ‘جاء شخصان مسلحان، يرتديان ملابس الدعم السريع، واقتاداني بعيداً…'” [6]. هذه مجرد لمحة بسيطة من آلاف القصص المكتومة التي تخفي وراءها جبالاً من الألم.
إن صمت العالم عن هذه الجرائم هو تواطؤ غير مباشر في اغتصاب كرامة نساء السودان. يجب أن تُرفع هذه الشهادات إلى المحكمة الجنائية الدولية لتتحول إلى أدلة دامغة تدين مرتكبيها.

الفصل الثاني: الإرهاب الممنهج للمدنيين وتدمير الحياة

إن التكتيك الأساسي لهذه المليشيا هو تحويل حياة المدنيين إلى جحيم لا يطاق، من خلال استهدافهم المباشر وتدمير مقومات حياتهم الأساسية، في استراتيجية واضحة لإخضاع الشعب وتفكيك الدولة.

2.1. النهب والسلب المنظم: اقتصاد الحرب القائم على الجريمة

تحولت المدن إلى غنيمة، حيث تم نهب الممتلكات والمنازل والمتاجر بشكل منظم، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، وتجويع الشعب [3]. هذا النهب ليس مجرد سرقة، بل هو تدمير ممنهج لسبل عيش السكان، ويؤكد على أن هدف المليشيا هو السيطرة على الموارد وتجريد المواطنين من كل ما يملكون.
تدمير القطاع الصناعي: كشف تقرير رسمي أن الدمار بسبب الحرب، والتدمير الممنهج والنهب من قوات الدعم السريع طال 90% من القطاع الصناعي، حيث تضررت آلاف المنشآت الصناعية [7]. هذا الرقم المروع يعني تدمير مستقبل السودان الاقتصادي لعقود قادمة.
سرقة المساعدات الإنسانية: وثقت هيومن رايتس ووتش “نهباً ممنهجاً لمستودعات المساعدات والسلع الإنسانية” [8]. إن سرقة الغذاء والدواء المخصصين للجياع والمرضى هي قمة الانحطاط الأخلاقي، وهي جريمة تزيد من معاناة 4.4 مليون نسمة كانوا يعتمدون على هذه المساعدات [9].
احتلال المنازل والمؤسسات: قامت قوات الدعم السريع باحتلال منازل المواطنين وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، مما اضطر السكان إلى النزوح القسري، كما تم احتلال الجامعات والمؤسسات الحكومية، مما شلّ الحياة العامة في المدن الرئيسية [4].

2.2. استهداف المرافق المدنية: جريمة حرب ضد الإنسانية

لم تكتفِ المليشيا بالقتال، بل استهدفت المدنيين مباشرة، وحولت المدارس والمستشفيات وشبكات الاتصال وشبكات المياه والكهرباء الحيوية إلى أهداف مشروعة، في انتهاك صارخ لكل قواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني [1].
المستشفيات والمرافق الصحية: وثقت شبكة أطباء السودان استهداف المليشيا للمستشفيات والمرافق الصحية، مما أدى إلى خروج عدد كبير منها عن الخدمة [10]. إن استهداف المستشفيات هو جريمة حرب بحد ذاتها، ويحرم آلاف الجرحى والمرضى من أبسط حقوقهم في العلاج، مما يضاعف من أعداد الضحايا. الأمم المتحدة أدانت بشدة هذه الهجمات المتكررة على المرافق الطبية [11].
المرافق التعليمية والدينية: تصاعدت الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق المساجد وخلوات تعليم القرآن الكريم في عدة مدن سودانية [12]. إن استهداف أماكن العبادة وانتهاك حرمتها هو صفة مميزة لهذه المليشيا الإرهابية، ويدل على حربها على الهوية والقيم السودانية [13].

الفصل الثالث: التطهير العرقي والتهجير القسري.. مأساة دارفور المتجددة

في دارفور، وبالتحديد في الجنينة والمناطق المحيطة بها، تجلت وحشية المليشيا في أفظع صورها، حيث أعادت فتح جروح الصراع العرقي القديم، في محاولة واضحة لإبادة جماعية.

3.1. الإبادة الممنهجة في الجنينة

لقد وثقت هيومن رايتس ووتش أن الهجمات في الجنينة أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص ونزوح مئات الآلاف، في محاولة لإبادة قبيلة المساليت [14].
القتل الممنهج والتعذيب: ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها اعتداءات مُرعبة ضد المجتمعات غير العربية – وبالتحديد المساليت – شملت عمليات قتل جماعي وعمليات تعذيب وحشية لا يمكن تصورها [1].
الاضطهاد على أسس إثنية: هذه الأفعال، التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، تهدف إلى التطهير العرقي والتهجير القسري للسكان من ديارهم [15]. لقد تم استهداف المدنيين بناءً على انتمائهم الإثني، في تكرار مأساوي لسيناريوهات الإبادة الجماعية.

3.2. سياسة الأرض المحروقة والنزوح القسري

لم يقتصر الأمر على القتل، بل شمل حرق القرى والممتلكات بشكل كامل، لضمان عدم عودة النازحين، في سياسة الأرض المحروقة التي تهدف إلى تغيير ديموغرافية المنطقة بالقوة [16].
أزمة النزوح: أدت هذه الجرائم إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف، ونزوح حوالي 8 ملايين سوداني داخلياً، ولجوء أكثر من مليوني شخص إلى البلدان المجاورة [1]. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي ملايين الأرواح التي دمرت حياتها بالكامل بسبب وحشية هذه المليشيا.

الفصل الرابع: تجنيد الأطفال وخيانة المستقبل

في جريمة لا تغتفر، قامت المليشيا بتجنيد الأطفال دون سن 15 عاماً للمشاركة في الأعمال العدائية [1]. إن سرقة براءة الطفولة وتحويلها إلى وقود لحربهم القذرة هي خيانة للمستقبل السوداني، وتؤكد على انعدام أي وازع أخلاقي لدى قادتهم. إن استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة هو جريمة حرب واضحة بموجب القانون الدولي. لقد تم تحويل هؤلاء الأطفال من ضحايا إلى أدوات قتل، مما يضاعف من حجم الجريمة الأخلاقية والقانونية.

خاتمة: المساءلة هي الطريق الوحيد للعدالة

إن حجم المأساة التي أحدثتها مليشيا الدعم السريع في السودان لا يمكن أن يُوصف بالكلمات. لقد أدت هذه الجرائم إلى تدمير دولة بأكملها، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وتهديد وجود شعبها. إن صمت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم هو تواطؤ غير مباشر. يجب أن تتوقف هذه المليشيا عند حدها، وأن يُحاسب قادتها على كل قطرة دم أُريقت.
إن تحقيق العدالة والمساءلة ليس خياراً، بل هو واجب إنساني وقانوني لا يمكن التنازل عنه. يجب على المجتمع الدولي:
1.فرض حظر شامل على الأسلحة: توسيع نطاق حظر الأسلحة ليشمل كامل الأراضي السودانية لوقف توريد السلاح للمليشيا [1].
2.التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية: تسليم جميع الأشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم، ومحاسبة قادة المليشيا على جرائمهم ضد الإنسانية وجرائم الحرب [1].
3.حماية المدنيين: العمل على نشر قوة مستقلة ومحايدة لحماية المدنيين في السودان فوراً [1].
إن الطريق الوحيد لإعادة بناء السودان وإعادة الكرامة لشعبه يمر عبر العدالة الناجزة والمحاسبة الصارمة لكل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء.

المراجع:

[1] السودان: بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق توثّق انتهاكات شاسعة لحقوق الإنسان والجرائم الدوليّة واسعة النطاق وتطالب بحماية المدنيّين. (2024، 6 أيلول/سبتمبر). المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
[2] السودان: الاستخدام المروع والمستشري للعنف الجنسي على أيدي قوات الدعم السريع يترك حياة الناس ممزقة. (2025، 10 نيسان/أبريل). منظمة العفو الدولية.
[3] التقرير العالمي 2025: السودان. هيومن رايتس ووتش.
[5] توثيق لنطاق واسع من العنف الجنسي وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان في السودان. (2024، 29 تشرين الأول/أكتوبر). المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
[6] دارفور: شهادات مروعة من السودان حول “الاغتصاب الجماعي” والنقص في المساعدات. (2025، 9 شباط/فبراير). بي بي سي عربي.
[8] جرائم حرب وانتهاكات جسيمة.. حصيلة قرابة سنتين من القتال في السودان. (2025، 2 كانون الثاني/يناير). الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان.
[10] “أطباء السودان”: استهداف ميليشيا الدعم السريع للمستشفيات جريمة حرب. (2025، 27 تشرين الأول/أكتوبر). القاهرة الإخبارية.
[11] الأمم المتحدة تدعو إلى عدم استهداف المدنيين والمرافق المدنية في السودان. (2023، 18 نيسان/أبريل). أخبار الأمم المتحدة.
[12] هكذا تستهدف قوات الدعم السريع المساجد في السودان. (2024، 2 تشرين الثاني/نوفمبر). الجزيرة نت.
[14] هيومن رايتس تتهم الدعم السريع بارتكاب “تطهير عرقي” في الجنينة. (2024، 9 أيار/مايو). الجزيرة نت.
[15] السودان: تطهير عرقي في غرب دارفور. (2024، 9 أيار/مايو). هيومن رايتس ووتش.
[16] بعثة تقصي الحقائق: جرائم دولية وانتهاكات مروعة في السودان. (2025، 17 حزيران/يونيو). أخبار الأمم المتحدة. https://news.un.org/ar/story/2025/06/1142441
تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com