عالى الموقع
اخبار

حادثة صالحة: دماء لا ينبغي أن تذهب سدى

حادثة صالحة: دماء لا ينبغي أن تذهب سدى
إن الجريمة البشعة التي وقعت في منطقة صالحة، حيث قُتل عدد من المدنيين بدم بارد، يجب ألا تمر كسحابة صيف أو كأحد الأخبار التي يبتلعها زخم الأحداث اليومية. إنّ علينا أن نعي أن مأساة صالحة ليست مجرد حادثة منفصلة، بل هي جزء من سياق أشمل من الجرائم والانتهاكات التي ظل المدنيون يتعرضون لها منذ بداية هذه الحرب اللعينة.
إنّ المأساة يجب أن تخلق وعياً عاماً حقيقياً، بأن الخطر داهم وقريب. فما لم يستشعر الناس هذا الخطر بجدية، وما لم يدركوا أن حياتهم وحياة من يحبونهم أصبحت مهددة، فإنّ المصاب سيتكرر، وسينتقل من بيت إلى بيت، ومن أسرة إلى أخرى. لم يعد هناك معنى لتصنيف “مدني” أو “غير مدني”، فدماء الجميع مستباحة أمام آلة القتل الشيطانية. وبناءً على ذلك، فإن خيار كل مواطن يجب أن يكون واضحاً: أن يموت مدافعاً عن خياره الحر، لا أن يكون ضحية لقرارات شرذمة من القتلة والمجرمين.
وفي إطار تحمل المسؤولية، يجب ألا تمر هذه الجريمة بلا تحرك رسمي حاسم. لا ينبغي أن تشرق شمس يوم جديد إلا وقد بدأت الإجراءات القانونية تجاه هذه المجزرة، بدءاً من تقديم بلاغات جنائية ضد الجناة ـ وعلى رأسهم “المستشار” الذي ظهر في الصور ـ إلى التحرك الدبلوماسي المكثف. ينبغي استدعاء كل السفراء والبعثات الأجنبية الموجودة في السودان، وعرض الحقائق عليهم مدعومة بتوثيق وافٍ لجميع الأنشطة الإجرامية التي حدثت خلال الأيام الماضية. كما يجب أن تُنقل القضية إلى المحافل الدولية، عبر البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج.
أما إعلامياً، فثمة ضرورة قصوى لاستدعاء وسائل الإعلام العالمية، وتقديم القصة كاملة، مدعومة بالشهادات الرسمية وشهادات الناجين وأسر الضحايا. فالمراسلون الأجانب يحتاجون لمثل هذه الإفادات لتسهيل إعداد تقارير مهنية موثوقة، تتجاوز مجرد نشر مقاطع مصورة ـ مهما كانت مؤلمة.
الأهم من ذلك أن يتم التعامل مع هذه الجريمة بذكاء قانوني. هناك تصريحات موثقة لمستشارين وقيادات في قوات الدعم السريع، يعترفون ضمنياً بالمسؤولية عن الحادثة. يجب استخدام هذه الأدلة فوراً في تحريك بلاغات قانونية دولية ضد المتورطين. من يحمل الجنسية السودانية يمكن ملاحقته وفقاً للقانون السوداني، ومن حصل على جواز أجنبي فهناك آليات قانونية دولية تتيح ملاحقته كذلك.
ويجب أن نتوقف عن التعامل مع هذه الجرائم وكأنها مشاجرات عابرة في مباريات كرة قدم، أو حوادث سير عادية. هذه مأساة وطنية، تستوجب من كل صحفي نزيه، وكل ناشط وطني، أن يتحرك لنقل الحقيقة إلى كل العالم. يجب أن تُنظّم لاحقاً معارض وملتقيات توثق هذه الانتهاكات، ليراها كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وأخيراً: لكل من يحاول التبرير أو الدفاع عن القتلة، أو المزايدة بحجج باطلة: لا مكان له بيننا. لا مجال هنا لـ”رأي ورأي آخر”. القضية واضحة: دماء بريئة أُريقت ظلماً وعدواناً، ولا موقف مقبول سوى الوقوف مع الحق والعدالة.
محمد حامد جمعة
اسفل الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com