تقرير أميركي جديد يكشف خفايا الحرب في السودان

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في تقرير استقصائي جديد، استنادًا إلى معلومات استخباراتية أميركية حساسة، عن زيادة كبيرة في تدفق الأسلحة من الإمارات العربية المتحدة إلى قوات الدعم السريع داخل السودان، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في إطالة أمد الحرب وتعقيد جهود التهدئة المستمرة منذ أكثر من عامين.
ووفقًا للتقرير، فقد أظهرت تقارير صادرة عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية (DIA) ومكتب الاستخبارات في وزارة الخارجية الأميركية أن شحنات الأسلحة الإماراتية تضمنت طائرات مسيّرة صينية الصنع من طراز “CH-95″ و”رينبو”، بالإضافة إلى أسلحة خفيفة وثقيلة ومدفعية ومركبات عسكرية وذخائر متنوعة. وأشارت المصادر إلى أن عمليات الإمداد العسكري تكثّفت بشكل ملحوظ بعد فقدان قوات الدعم السريع السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، حيث جرى نقل الشحنات عبر رحلات جوية تمرّ بالصومال وليبيا، قبل أن تُنقل برًّا إلى داخل الأراضي السودانية.
وأكدت مصادر إقليمية من ليبيا ومصر وعدد من الدول الأوروبية صحة هذه المعلومات، مشيرة إلى أن الدعم الخارجي مكّن المليشيا من استعادة قوتها العسكرية وشن هجمات متقدمة في شمال دارفور، من أبرزها الهجوم الأخير على مدينة الفاشر، الذي اعتُبر نقطة تحول في مسار الحرب الميدانية.
في المقابل، نفت وزارة الخارجية الإماراتية صحة هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها “ادعاءات لا أساس لها من الصحة”، مؤكدة التزام أبوظبي بموقف الحياد ودعم الحلول السلمية لإنهاء الصراع في السودان. كما رفضت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية التعليق على مضمون تلك التقارير، ما أضفى مزيدًا من الغموض على طبيعة الدور الحقيقي الذي تلعبه الأطراف الإقليمية في النزاع الدائر.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين سابقين قولهم إن الحرب في السودان “كانت ستنتهي لولا الدعم العسكري الإماراتي”، موضحين أن الإمدادات القادمة من أبوظبي كانت “العامل الحاسم في استمرار المليشيا وصمودها أمام الجيش السوداني”. هذا التصريح يعكس مدى تعقّد المشهد السوداني، الذي لم يعد محصورًا في صراع داخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل بات يحمل أبعادًا إقليمية ودولية متشابكة يصعب فصلها.
ويرى مراقبون أن التقارير الأميركية الأخيرة قد تمهّد لمزيد من الضغوط الدولية على الإمارات، سواء عبر مجلس الأمن أو المحاكم الدولية، في ظل مطالب متزايدة بفرض رقابة صارمة على تدفق الأسلحة إلى السودان، خاصة بعد أن فشلت محاولات عديدة لفرض هدنة إنسانية أو وقف إطلاق النار بشكل دائم. كما يُتوقع أن تُستخدم هذه الوثائق في القضايا الدولية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، خصوصًا في ظل الاتهامات الموجهة لقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد المدنيين في دارفور والمناطق المتأثرة بالنزاع.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، حيث نزح الملايين من منازلهم، وانهارت الخدمات الأساسية في معظم المدن الكبرى. كما أدت الحرب إلى تفاقم المجاعة وانتشار الأوبئة وانهيار الاقتصاد الوطني، في ظل غياب شبه تام لأي سلطة مركزية قادرة على ضبط الأوضاع.
ويرى محللون أن استمرار تدفق السلاح من الخارج، سواء من الإمارات أو غيرها، يُعدّ العامل الأبرز في إطالة أمد الحرب وتعطيل فرص الحل السياسي، خاصة أن الطرفين يعتمد كلٌّ منهما على دعم خارجي متباين يسعى لتأمين نفوذه في المنطقة. كما أن المشهد السوداني أصبح ساحة مفتوحة لصراعات الوكالة، حيث تتداخل المصالح الإقليمية بين دول تسعى لتأمين حدودها وأخرى تطمح في النفوذ الاقتصادي والعسكري في البحر الأحمر ووسط إفريقيا.
ويشير التقرير الأميركي إلى أن الحرب السودانية تجاوزت كونها نزاعًا داخليًا، لتتحول إلى حرب إقليمية بالوكالة تغذيها الإمدادات الأجنبية والطموحات الجيوسياسية المتشابكة. ويؤكد الخبراء أن وقف هذه الإمدادات العسكرية هو الشرط الأساسي لإنهاء الحرب وفتح الطريق أمام عملية سلام شاملة تضمن استقرار السودان والمنطقة بأكملها.
في الختام، يظهر بوضوح من مضمون تقرير صحيفة وول ستريت جورنال أن الدعم العسكري الخارجي، وبالأخص من الإمارات، لم يكن مجرد تفصيل جانبي في الصراع السوداني، بل كان عاملاً جوهريًا ساهم في تمديد عمر الحرب وزيادة معاناة المدنيين، وسط صمت دولي متزايد وتردد المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حاسم. وبينما تستمر الاتهامات والنفي المتبادل، يبقى الشعب السوداني الضحية الأكبر لصراع معقد تغذّيه المصالح والأجندات الإقليمية والدولية، دون أفق قريب للحل.











