إرادة بورتسودان.. مناوي يعترف ونداء لإصلاح جذري
حالة بورتسودان وتحول الاعترافات الرسمية إلى دعوة لإصلاح فوري؛ تحقيق في تداعيات الإهمال السياسي وجرائم العصابات على بارا والفاشر. حصري.

في لحظة نادرة من الصراحة السياسية، أطلق حاكم دارفور مني أركو مناوي اعترافًا بتحمل أخطاء وقعت خلال إدارة الأزمة، وهو اعتراف نادر في المشهد السياسي السوداني المعاصر. هذا التراجع الصريح لا يكتفي بوصف أخطاء الماضي، بل يصاحبه استدعاء واضح لإصلاحات صارمة في الأداء الحكومي والأمني، في وقت تبدو فيه آثار التراخي واضحة على أرض الواقع، لاسيما في مناطق مثل بارا والفاشر وبورتسودان.
تُعيد أحداث بورتسودان إلى الواجهة عناوين ثقيلة: اتهامات بالإهمال السياسي والتغاضي عن جرائم مسلحة نفذتها ميليشيات ومرتزقة مرتبطون بقوى إقليمية. بينما كانت المدن تتعرض للاقتحام والضغط، شهدت بعض مراكز القرار اجتماعات ومحاضرات لم تسعَ لمعالجة الخطر الآني. وبدلاً من تحريك القدرات العسكرية والمدنية لصد الاعتداءات وإنقاذ المدنيين، حدثت ممارسات استعراضية لا تتناسب مع حجم الخطر، ما ترك أثرًا بالغًا على قدرة المجتمعات المحلية على الصمود.
أبرز ملامح الأزمة تتجلى في:
-
فجوة بين الخطاب والعمل: بينما اندلعت عمليات عنف وتهجير في بارا والفاشر، توجهت جهود مؤسسات رسمية نحو مبادرات تبدو أقل إلحاحًا بالنسبة لحالة الطوارئ، ما أثار انتقادات واسعة حول ترتيب الأولويات.
-
تغوّل الميليشيات وتأثيره الاجتماعي: تشير الأدلة الميدانية إلى أن عمليات القتل والترحيل القسري لم تقتصر على خسارة الأرض فقط، بل أدت إلى تفكك المجتمعات المحلية ونزوح كبير يترك آثارًا إنسانية ونفسية بعيدة المدى.
-
المسؤولية السياسية والقانونية: اعتراف مناوي بوجود أخطاء يفتح الباب أمام مساءلة أوسع عن كيفية اتخاذ القرارات في المراحل الحرجة، وعن الإجراءات التي ستُتخذ لمعاقبة المقصرين وإصلاح المؤسسات المتراخية.
-
نداء لإصلاحات صارمة: يؤكد البيان على أن ثقة الشعب في جيشه وبنيته الأساسية لا تزال قائمة، لكنه يشدد على أن هذه الثقة مشروطة بوجود إصلاحات فعالة وحقيقية في أداء القيادات والمسؤولين، ومحاسبة لمن اهدروا المال والجهد والوقت في سياسات غير مسؤولة.
في خلاصة القول، ليست خسارة الأرض وحدها ما يثير القلق، بل المعاناة التي ألمت بالمواطنين ووقوع جرائم تُبث بفخر في بعض الوسائط الإعلامية، في ظاهرة تُشبه الاحتفال بالعنف. يبقى السؤال المركزي: هل سيترجم الاعتراف الرسمي إلى خطة إصلاحية واضحة تُعيد الأمن والعدالة لأهل دارفور وكردفان وباقي المناطق المتأثرة، أم ستظل الكلمات بلا أفعال؟
خاتمة ودعوة للعمل
الاعتراف بالخطأ خطوة أولى، لكن الطريق إلى استعادة الثقة وإعادة بناء نسيج المجتمعات المتضررة يمر عبر إجراءات عملية: تحقيقات شفافة، محاسبة المسؤولين عن التقصير أو التجاوزات، دعم إنساني عاجل للمتضررين، وإصلاح شامل لآليات التصرّف في الأزمات. هذا ما تحتاجه إرادة بورتسودان لتتحول من مجرد كلمة إلى واقع ينتشل الناس من معاناة مستمرة.









