ياسر الفادني يكتب .. الجزيرة… أمطرتني حزنا
إمرأة قتل زوجها أمام عينيها مع سبق الإصرار والترصد…. عندما أراد أن يدافع عن ماله وعرضه ، هي ولدت منه طفلا عمرة ٧٢ ساعة لم يطب لها المقام بعد أن رأت مارأت فحملته وإنتبذت به مكانا قصيا بعيدا عن أوباش العصر وظلت هكذا تحمله وتسير علي قدميها ساعات طوال فرارا وعندما تعبت جلست أرضا لترضعه فاذا بالخرقة التي تحمل طفلها وجدتها فارغة وقع منها بين قصب (البلدات) أو وسط الأشجار الصغيرة ،وجمت حينها ولا تدر أترجع ؟ تبحث عن طفلها المفقود وبأي طريق ذهبت لا تعرف حين ليل بهيم ، إنها قصة حقيقية ومأساة يجب أن يعرفها الجميع
أكثر من ٥٠٠ ألف نازح تركوا منازلهم في شرق الجزيرة الذي يتجول في أحياء القضارف سوف يري مآسي ينفطر لها القلب ويتحسس اللواعج فيهم تارة بطعم الدم وتارة أخري بطعم الفاجعة والحزن الذي فاق حزن يعقوب علي إبنه ، مناظر من لم يتأثر بها ليس في قلبه مزعة رحمة
أكثر من ٥٠٠ شهيد في الهلالية منهم من مات بالرصاص ومنهم من مات تسمما، هؤلاء دفنوا في حفرة واحدة جميعا ومن يصلي عليهم يكون مصيره اللحاق بهم في الحفرة ، هذه الحفرة التي سوف تروي للأجيال القادمة ان هذا مافعلوه الجنجويد ، إذا قابلت أي شخص من الهلالية أو من شرق الجزيرة قبل أن تصافحه ترفع له الفاتحة أولا ثم تبكي أربعا وهو يبكي معك ثمانية بل ربما يزيد ، أهالي الهلالية الذين هم لم يحضروا هذه المأساة صلوا صلاة الغائب عليهم
كل يوم يمر نسمع أخبارا عن شهدا وأخبارا عن ماساة نزوح جديدة بالأمس اللعوتة تحكي عن إرتقاء ٢٠ شهيدا وربما اليوم العدد يكون في زيادة ، كل يوم رواية يكتب عنوانها بحبر من دم…. وفصولها جمل من ماساة وبين الفاصلة الاخري مفردات لا تحمل إلا الحزن الذي يظل في الحلق علقما من معاناة ، نحن نصمت…. ونطلق صرخة لكنها يذهب بها الصدي في وادي الصمت ، العالم يصمت وهمه كله هو فتح معبر (أدري) وهو يعرف تماما أن مايمر بهذا المعبر هو مزيد من مفاقمة هذه المعاناة وجلب المزيدة من آلات التقتيل والإبادة، إنا لفي زمن لو عاصره حمورابي لصفق متعجبا ولو سمع به الحجاج بن يوسف لايقن أنه كان يوما صالحا ! موقف ينظر إليه الشيطان مندهشا وفي نفسه أن هنالك نسخ محدثة أخري من شياطين نوعية جدد هبطت إضافة لعشيرتهم!
إني من منصتي انظر ….حيث أري…أنه اذا إستمرت هذه الإستباحات وهذه الإبادات في قري الجزيرة سوف يكون إنسان الجزيرة الذي بقي هناك في عداد الغابرين وسوف تحمر تلك الخضراء بلون الدم القاني ولو قام فيكتور هجو من قبره لغير عنوان روايته (البؤساء ) إلى بؤساء الجزيرة .