مقالات الراى

مطار الخرطوم .. بين وعود التشغيل وواقع التحديات

يُعد مطار الخرطوم الدولي شريانًا حيويًا للسودان، ليس فقط كبوابة جوية رئيسية للعاصمة، بل كمركز استراتيجي يربط البلاد بالعالم. ومع ذلك، شهد المطار في الآونة الأخيرة حالة من عدم اليقين والجدل المتواصل حول وضعه التشغيلي، تتراوح بين تصريحات رسمية بوشوك عودته للخدمة وتحديات واقعية تعيق هذا الهدف. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل للوضع الراهن لمطار الخرطوم، مستعرضًا تاريخه، تأثير الصراعات الأخيرة عليه، وعود إعادة التشغيل، والتحديات التي تواجهه.

نبذة تاريخية وأهمية استراتيجية

تأسس مطار الخرطوم الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1947، وشهد توسعات وتأهيلات متعددة على مر العقود، كان آخرها بين عامي 2000 و2010 لمواكبة التطورات العالمية. يُعتبر المطار المقر الرئيسي ومركز عمليات للخطوط الجوية السودانية وبدر للطيران، ويخدم الخرطوم كمركز حيوي للحركة الجوية الداخلية والدولية [1].
لطالما كان الموقع الحالي للمطار، الواقع في قلب العاصمة، مصدر قلق بسبب قربه من المناطق السكنية ومخاطر السلامة الجوية والأمن العمراني. ولهذا السبب، اتخذت الحكومة السودانية قرارًا بإنشاء مطار الخرطوم الجديد على بعد 40 كيلومترًا من وسط المدينة، بهدف استبدال المطار الحالي الذي أصبح موقعه يشكل خطرًا [1].

تأثير الصراعات الأخيرة

تأثر مطار الخرطوم الدولي بشكل كبير بالأوضاع الأمنية والسياسية المتقلبة في السودان. ففي يونيو 2019، أوقفت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها مؤقتًا بسبب الاحتجاجات، قبل أن تستأنفها لاحقًا. وفي يناير 2020، توقفت حركة الطيران بالكامل وفرض حظر جوي إثر تمرد عسكري وإطلاق نار قرب المطار، قبل أن يُعاد فتحه بعد يوم واحد [1].
تسببت الصراعات الأخيرة في أضرار بالغة للمطار، حيث أظهرت صور وتقارير إعلامية طائرات مدمرة ومحترقة على أرض المطار، مما يعكس حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية [2]. هذا الدمار أدى إلى توقف شبه كامل للحركة الجوية الدولية، وتحويل الرحلات إلى مطارات بديلة مثل بورتسودان.

وعود التشغيل والتكذيب

في ظل هذه الظروف، تتوالى التصريحات الرسمية حول قرب إعادة تشغيل مطار الخرطوم. ففي 11 أكتوبر 2025، صرح الفريق إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة السوداني الانتقالي، بأن مطار الخرطوم سيعود إلى الخدمة قريبًا، مؤكدًا أن العمل جارٍ بوتيرة متسارعة لإعادة تشغيله بشكل كامل. وأشار إلى أن المطار يشهد حاليًا حركة محدودة للرحلات الداخلية، وأن الجهود تبذل لتوفير بيئة آمنة للطيران والمسافرين [3].
هذه التصريحات تأتي في سياق جهود الحكومة السودانية لوضع عودة المطار ضمن أولوياتها لدعم التواصل الداخلي والخارجي وتيسير الحركة الإنسانية والاقتصادية. وقد أكد الفريق جابر أن عودة المطار إلى العمل الكامل مسألة وقت فقط، وأن السودان يسعى لاستعادة عافيته تدريجيًا في مختلف القطاعات [3].
ومع ذلك، فإن هذه الوعود غالبًا ما تقابل بالتشكيك والتكذيب من قبل بعض الأطراف، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض أن الوضع الأمني واللوجستي لا يزال غير مواتٍ لإعادة التشغيل الكامل، وأن هذه التصريحات قد تكون محاولة لرفع الروح المعنوية أو جزءًا من حرب المعلومات [4].

التحديات الراهنة

تتعدد التحديات التي تواجه إعادة التشغيل الكامل لمطار الخرطوم، ومن أبرزها:
الأضرار المادية: تعرض المطار لأضرار جسيمة في مرافقه ومدرجاته وطائراته، مما يتطلب جهودًا ضخمة لإعادة الإعمار والتأهيل. وقد أشار البعض إلى أن الحل الواقعي هو إعادة إعمار المطار الحالي بتصميم حديث قابل للتوسع [5].
الأمن والسلامة: لا تزال الأوضاع الأمنية في الخرطوم غير مستقرة بشكل كامل، مما يثير مخاوف بشأن سلامة الطائرات والمسافرين. يجب أن يخضع المطار لإجراءات دولية صارمة لأمن الطيران لضمان عودته للخدمة بشكل آمن [6].
الموقع الجغرافي: يُعتبر الموقع الحالي للمطار داخل منطقة سكنية تحديًا كبيرًا، حيث يمثل خطرًا على مقاييس السلامة الجوية والأمن العمراني. هذا التحدي يعزز الحاجة الملحة لإنجاز مطار الخرطوم الجديد [1].
التنسيق والتمويل: تتطلب عملية إعادة التأهيل والتشغيل تنسيقًا مستمرًا بين سلطة الطيران المدني وإدارة شركة المطارات، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم للمشاريع الضخمة المطلوبة.

الخلاصة والتوصيات

يمثل مطار الخرطوم الدولي رمزًا للصمود والتحدي في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها السودان. ورغم الوعود المتكررة بقرب عودته للخدمة، فإن الواقع يشير إلى وجود تحديات كبيرة تتطلب حلولًا جذرية ومستدامة. إن إعادة تشغيل المطار بالكامل ليست مجرد مسألة لوجستية، بل هي خطوة استراتيجية نحو تعافي السودان واستعادة دوره الإقليمي والدولي.
لتحقيق ذلك، يوصى بما يلي:
1.تقييم شامل للأضرار: إجراء تقييم دقيق وشامل للأضرار التي لحقت بالمطار لتحديد حجم الاحتياجات اللازمة لإعادة الإعمار.
2.تأمين المطار: ضمان بيئة أمنية مستقرة حول المطار وتطبيق أعلى معايير الأمن والسلامة الجوية.
3.تسريع مشروع المطار الجديد: إعطاء الأولوية لاستكمال مشروع مطار الخرطوم الجديد كحل طويل الأمد لمشكلة الموقع الحالي.
4.التعاون الدولي: السعي للحصول على الدعم الفني والمالي من المنظمات الدولية والدول الصديقة لتسريع عملية إعادة التأهيل.
5.الشفافية في المعلومات: توفير معلومات واضحة وشفافة للجمهور حول التقدم المحرز في إعادة تشغيل المطار لتجنب الشائعات والتكذيب.
إن عودة مطار الخرطوم الدولي إلى سابق عهده ستكون قفزة استراتيجية نحو تعافي السودان، وستفتح آفاقًا جديدة للتواصل والإغاثة والتنمية الاقتصادية.
تابع قناة اخبار السودان على الواتساب ليصلك جديد الاخبار (اضغط هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com