صبري محمد علي يكتب .. آدم شيّة وأشياء أخرى بمدني
☘️
لعل الكثيرون من جيل اليوم لم يعاصروا مدني ونشاطها وشبابها التجاري فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي
(مدني حلوة) …..
وكأنما (السوق الصغير) قد إستأثر بالمطاعم وأكشاك البارد والفاكهة وكل ما يبتاع علي الطبالي تمتد شرقاً وتتجة غربا بمُحازاة السكة حديد والإدارة المركزية وهيئة المياه مروراً بالمؤسسة الفرعية للحفريات ثم سينما أمير
مروراً بمحلات أبو ظريفة للفول ومطاعم (النيفة) وحلات الباسطة ينين للمتجة غرباً
و المحل الأهم لآبائنا لصانع المراكيب (أحمد بُقجة) وسوق العيش والجلود حتي ترتاح قليلاً على جُدران الأستاد الرياضي ثم الإتجاه غرباً مروراً بمحطة (بصّات) الخرطوم الحصاحيصا ابو عشر الكاملين و(بالعكس) كلمة جميلة إبتكرها خطاطو ذلك الزمان الأخضر في كل شئ الطيبة والسماحة والوسامة والضحكة وتسريحة إبراهيم عوض
كل شئ كان مُعتاداً وجميلاً وراتباً …..
المتسولون هُم هُم النشّالون هُم هُم معروفون للجهات الأمنية العتّالة ، المُعاقون وتوزيعهم اليومي لأباطرة التسوّل على (صواني المرور) كله كله كان معروف لإنسان الجزيرة الوادعة
حتى الحبش وأكشاك الليمون وبخور اللُبان
الإغاني الصاخبة تتقاطع
النور الجيلاني والجابري وعندليب الجزيرة صديق سُرحان
*عمّت بشائرنا*
*ودام الفرح لينا*
*ضاءت ليالينا*
وبلال موسي و ……
*من قلبي أدعو لها*
*في القضارف يدوم سعدها*
*العزيزة عليّ إسمها*
يا سلاااااام يا مدني
أستديو(الشوّاف) كان هو المُوثِّق لمراحل الشباب والشابات فالشارلستون وقميص (تحرمني مِنك) و الخُنفُس والخُلال والساعه (الرومر)
كلها تُوثق بداخله والختم على ظهر الصورة يحمل التاريخ وإسم الأستديو
بعد (فَطْرة) الفول المدنّكلة بمحلات (أبو ظريفة للفول) أوحسن جاد الله للأسماك بالسوق الكبير
محل يتوسط سوق الذهب وما زال
مدني حلوة …..
وستظل رائعة وفاتنة وآسرة لمن يعرفها أو يزورها
بالليل تسهر في أدب لا يتجاوز دور (السينماء الثاني)
وتتأدب عندما تمنح العُصاة الذين يظلم عليهم الليل مع الكأس و (…..)
(باص السُكارى)
وهو آخر بص كان يُغادر مدني الرسمية
وبينه …..
وبين وجهته
والسكارى والكُمساري والسائق …!
تتمدد عشرات القصص والطُرف والضحكات
(فاللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
من جانب آخر إحتلّ (السوق الكبير) قبل أن يتوسع بوضعه الحالي و يتمدد حتى كاد أن يلامس الأحياء الشرقية والجنوبية الجديدة
فما كان السوق سابقاً يتجاوز جدار المستشفي المجاور لشارع (الدكاترة) وإتجاه واحد
وأظن أن أكشاك (الملجة) يومها كانت ما زالت يانعة
فزحفت اليها المطاعم وأكشاك العصائر وبذات الصخب الجميل
فصاحب (الكُشُك) يمتلك حق (الفيتو) مُنّتهى ما يصل إليه صوت سماعات المحل
ولا أحد يعترض ولا يتذمّر فالكل سعيد والحكومة سعيدة .
وحتى من يسخط يجد العذر لهذا الواقع و لهذه اللوحة ذات الألوان المُتعددة ثم ينصرف في حاله .
الكوارو ، طبليات التمباك السجائر ، الآقاشي ، السمك المقلي ، الطعمية ، صبيان الجرائد ، صخب كيزان الألومنيوم
برِّد برِّد بررررد جوفك ، قصب السكر …!!
يااااا ما أروعك يا مدني
لم يعرف الناس تلوث البيئة ولا السرطانات ولا الأمراض المُزمنة العُضال .
تجار الجُملة ….
هي ذات الدكاكين التي تركها المُستعمر كانت تئنُ بحمولات لواري السكر والسجاير والتمر والزيوت
أسماء كانت لامعة في سماء الجزيرة فهم أهل الخير والمروءة يشكلون العُمق الإجتماعي الصادق فمنهم تُشكّل مجالس الآباء بالمدارس ولجان الأحياء ولجنة المستشفى
الكارس ، بابكر سالم أبوسنون والخواض و أولاد فلان و فلان أسماء كثيرة لا تستحضرها الذاكرة .
آدم شيّة …..
إسم جديد في سماء مدني عندما تمددت فأنشأ (كُشكاً) صغيراً لبيع (الشيّة) والفول وأم فتفت وكبدة الإبل بالدكوة
قبل أن يتمدد ذلك المحل و يبتلع كافة الأكشاك المجاورة له له بطريق (سنار) جوار سوق الخضار أو (الملجة) الجديد
ولآدم هذا …..
براعة مُذهلة في خلق صداقات مُتعددة ومعارف فلا أظن أن هُناك مُوظفاً أتي ود مدني منقولاً أو عابراً إلا و له ذكرى مع (آدم شية)
وأذكر أنه كان حريصاً على إستقبال الزبائن الجُدُد الذين يزورونه لأول مرة بنفسة
فكان يُجالسهم و يهيئ لهم الطاولة مُصدِّراً (فرمانات) التوصِّية للطباخ و صبيانة بالتوصية و(التصليحة) للقادم الجديد
فيما أذكر ذات مرة لفت إنتباهي في هذا الفرح المتدفق (آدم)
أن لديه لكل زبون مهنة وصِّفة يطلقها عليه حسب هندامه
فإن كان ذو (رباطة عُنق) فذاك (مولانا) في إشارة للمحاميين وإن كان (سفاري) فهو (سعادتو)
وللمتقدمات في السن فهي (خالتنا)
يا سلاااااام يا مدني
فغداً الموعد و في ذات الأمكنة و رحيقها
فستعودي بإذن الله ثم بعزم الرجال بهية ناضرة جميلة
نعم يا مدني وفي ذات الأمكنة الزمالك ، المنيرة ، دردق ،. الدرجة ، بانت ، مايو ، السوق ، السينماء ، المطاعم ، الكافيهات ، شارع النيل ، حسن جاد الله ، سوق الدهب شارع النيل ، (حبيبي فلّس)
أي (حِتّه) فهي قُبلة على جبين الوطن
وقريباً سنطبعُها بإذن الله
الثلاثاء ٢٤/ديسمبر ٢٠٢٤