سياسية

الطلقة الأولي … اعترافات ميليشيا (التفاصيل)

الطلقة الأولي … اعترافات ميليشيا
إعداد: إسماعيل جبريل تيسو
الخرطوم – في مشهد استثنائي، وبينما كانت مراسم تشييع نائب قائد ميليشيا الدعم السريع بولاية شمال دارفور، العميد علي يعقوب جبريل، جارية، فاجأ شقيق القائد الحضور بإعلان صريح، أعرب فيه عن استعدادهم لقبول كافة مطالب الجيش السوداني، وفي مقدمتها تسليم قيادات الصف الأول المطلوبين للعدالة. جاء هذا الإعلان خلال خطاب ألقاه بإقليم دارفور، حيث أقر ضمنياً بالأخطاء التي ارتكبتها قيادته منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
تحول مفاجئ ومكاشفة علنية
تصريحات عبد الرحيم دقلو، التي تصدرت وسائل الإعلام، لم تكن مجرد كلام عابر، بل جاءت في سياق تحولات متسارعة تشهدها الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عام. فبعد أشهر من الإنكار والمراوغة، بدأت قيادات ميليشيا الدعم السريع تُلمّح إلى تحمّلها مسؤولية الانتهاكات والجرائم التي ارتُكبت خلال النزاع، بل وتطرح تنازلات لم يكن من الممكن تصورها في بداية المواجهة.
هذه التحولات التي انطلقت من جنوب دارفور وانتقلت إلى الشمال، تُظهر أن الميليشيا تواجه ضغوطاً هائلة، وأنها باتت تدرك حجم الخسائر التي تكبدتها، وخطورة استمرار الحرب على وجودها ومصيرها.
“انقلاب فاضل” في الخطاب السياسي
خطاب عبد الرحيم دقلو لم يكن مجرد “زلة لسان”، بل مثّل تحولاً جذرياً في الخطاب الذي تبنّته الميليشيا منذ اندلاع النزاع. فبعد أن التزمت لغة التحدي والإنكار، جاءت تصريحاته لتقرّ ضمنياً بمسؤولية إشعال الحرب وارتكاب التجاوزات. الأكثر أهمية هو ما حمله الخطاب من إشارات إلى استعداد القيادة للتفاوض وتقديم تنازلات غير مسبوقة، على رأسها تسليم قيادات الصف الأول، بمن فيهم عبد الرحيم نفسه، وهو أمر كان يُعد من المحرمات حتى وقت قريب.
هذا التحول يُعد بمثابة “انقلاب داخلي” على النهج السابق، ويدل على أن الضغوط الداخلية والخارجية بدأت تؤتي ثمارها، وأن الميليشيا باتت تدرك استحالة الاستمرار بالأساليب ذاتها.
تراجع النفوذ وتآكل الهيمنة
بحسب مراقبين، فإن تصريحات عبد الرحيم دقلو، إضافة إلى مؤشرات فقدان الميليشيا لنفوذها في بعض المناطق، تعكس حالة من “تلاشي الهيمنة” التي كانت تتمتع بها في المراحل الأولى من الحرب. فبعد أن حققت مكاسب ميدانية أولية، بدأت تفقد زمام المبادرة تدريجياً، في ظل مقاومة شرسة من الجيش السوداني وقوى المجتمع المدني. كما أن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها، والتي وثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، ساهمت في انهيار حاضنتها الشعبية وفقدان الدعم الإقليمي والدولي.
من هذا المنطلق، يمكن فهم الاعترافات الأخيرة على أنها محاولة أخيرة للحفاظ على ما تبقى من النفوذ، وتجنّب الانهيار الكامل.
رسائل مزدوجة وأبعاد خفية
رغم ما تحمله التصريحات من بُعد إنساني وسياسي، إلا أنها لم تخلُ من رسائل مبطنة قد تُشير إلى أهداف أخرى، مثل محاولة تبرئة بعض القيادات، أو تقديم “كبش فداء” لاسترضاء الرأي العام. كما قد تكون وسيلة لإحداث انقسامات داخلية في صفوف الميليشيا، خاصة بين القادة الذين يواجهون تهديدات بالملاحقة القضائية.
وفي كل الأحوال، فإن ما جرى يُشير إلى وجود خلافات جوهرية داخل بنية الميليشيا، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الانشقاقات والضعف التنظيمي.
فرصة سياسية لا ينبغي إضاعتها
يرى محللون أن هذا التحول يُمثّل فرصة ثمينة أمام الحكومة السودانية والقوى السياسية المختلفة لإعادة ترتيب الأوراق، والدفع نحو وقف شامل لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات بروح جديدة. كما أنها فرصة لمراجعة الأداء الحكومي، وإطلاق إصلاحات حقيقية تضع السودان على طريق بناء دولة قائمة على العدالة، والمساواة، وسيادة القانون.
إن اقتناص هذه اللحظة التاريخية يتطلب توحيد الصفوف، وتجاوز الحسابات الضيقة، وتقديم مصلحة الوطن على كل اعتبار. فمثل هذه الفرصة قد لا تتكرر، وإن ضاعت، فقد تعيد النزاع إلى نقطة الصفر وتُطيل أمد المأساة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com