
التطور الذي يشير إلى طلب حكومة السودان عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة ما وصفته بـ”العدوان الإماراتي” هو تصعيد دبلوماسي خطير وغير مسبوق بين الخرطوم وأبوظبي، وقد يحمل تداعيات عميقة على الداخل السوداني والإقليم بأسره
في تطور غير مسبوق، تقدّمت حكومة السودان بطلب رسمي لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة ما وصفته بـ”العدوان الإماراتي الممنهج” على الأراضي السودانية، لا سيما في مدينة بورتسودان الاستراتيجية. تُعد هذه الخطوة تحوّلًا نوعيًا في خطاب الدولة السودانية، إذ تكسر حاجز الصمت وتضع دولة الإمارات في موقع المساءلة القانونية والدبلوماسية على الساحة الدولية.
لكن، ما الذي يدفع دولة خليجية إلى شن عدوان عسكري واقتصادي ضد السودان؟ ولماذا تُمعن الإمارات في تقويض أمن السودان واستقراره؟ وهل حان وقت الرد السوداني الحقيقي على هذا التدخل السافر؟
الخلفية: أطماع إماراتية قديمة تتجدد
لم تكن الإمارات يومًا بعيدة عن المشهد السوداني. منذ بداية الثورة الشعبية في 2018، كانت أبوظبي حاضرة – ليس كمراقب أو داعم للاستقرار، بل كطرف يسعى لإعادة تشكيل السودان وفق مقاس مصالحها. سعت الإمارات للهيمنة على موانئ السودان، وعلى رأسها ميناء بورتسودان، عبر صفقات مشبوهة وتحالفات عسكرية مشبعة بالمصالح الخفية.
والآن، ومع فشل مشاريعها السياسية عبر وكلائها في الداخل، لجأت إلى استخدام أدوات عسكرية وأمنية واقتصادية لتدمير البنية التحتية، وإضعاف ما تبقى من مؤسسات الدولة.
بورتسودان.. عين الإمارات على البحر الأحمر
مدينة بورتسودان ليست مجرد ميناء، بل شريان حياة للسودان، وبوابة استراتيجية إلى إفريقيا وشرق آسيا. التدمير الممنهج للبنية التحتية في المدينة يُشير إلى نوايا إماراتية واضحة: ضرب اقتصاد السودان، ومنعه من الاستفادة من موقعه البحري، وخلق فراغ استراتيجي يسمح لها بالسيطرة على الممرات البحرية الحيوية.
ما يحدث في بورتسودان ليس مجرد قصف، بل عملية جيوسياسية كاملة الأركان تستهدف سيادة السودان واستقلاله الاقتصادي.
العدوان الإماراتي: حرب بالوكالة؟
ثمة ما يُشير إلى أن الإمارات لا تتدخل بشكل مباشر فقط، بل أيضًا من خلال دعم مليشيات مسلحة وتمويل حركات انفصالية في شرق السودان، بل ومحاولة اختراق أجهزة الدولة الأمنية عبر “أذرع ناعمة” في الداخل.
هذا التدخل يحمل مواصفات “الحرب بالوكالة”، ويهدد ليس فقط وحدة السودان، بل استقرار القرن الإفريقي برمته. كما أن تحويل السودان إلى ساحة لتصفية حسابات أبوظبي الإقليمية (مع تركيا، قطر، إثيوبيا وغيرها) هو تهديد مباشر للأمن القومي السوداني.
لماذا يجب أن يصعّد السودان؟
آن للسودان أن يُغيّر قواعد الاشتباك. الصمت لم يحمِ السيادة، والمجاملات الدبلوماسية لم توقف العدوان. لذا، فإن اللجوء لمجلس الأمن هو خطوة أولى نحو بناء ملف قانوني دولي ضد الإمارات.
لكن الأهم من ذلك، هو التحرك إقليميًا لتشكيل جبهة مضادة للتدخلات الإماراتية في القرن الإفريقي، والتنسيق مع دول متضررة مثل الصومال، الجزائر، وحتى إثيوبيا، لوقف هذا التمدد التخريبي.
كيف يمكن الرد على العدوان؟
-
دبلوماسيًا: سحب السفير السوداني من أبوظبي، وطرد السفير الإماراتي من الخرطوم، إلى حين تقديم تفسير رسمي لما تقوم به بلاده.
-
قانونيًا: تقديم ملف شامل إلى محكمة العدل الدولية يتضمن الأدلة على العدوان، دعم المليشيات، وخرق السيادة.
-
اقتصاديًا: إلغاء كافة العقود المشبوهة الموقعة مع شركات إماراتية، وفتح ملفات الاستثمارات التي استخدمت كغطاء للتغلغل الأمني.
-
إعلاميًا: فضح الدور الإماراتي في تأجيج الحرب، وتوسيع دائرة الوعي الإقليمي والدولي بخطورة المشروع الإماراتي.
ختامًا: لا سيادة دون مواجهة
لم يعد الصراع مع الإمارات مسألة سياسية قابلة للتفاوض، بل قضية سيادة وطنية. وما لم يتخذ السودان موقفًا صارمًا، فإن الخطر لن يتوقف عند بورتسودان، بل سيمتد إلى قلب الخرطوم. لذا، فإن التصعيد بات واجبًا وطنيًا، وفرض كرامة السودان على من اعتادوا على التوسع والإذلال بات أمرًا لا مفر منه.
السودان اليوم لا يدافع فقط عن أرضه، بل عن حقه في أن يكون دولة ذات سيادة، لا مزرعة خلفية لطموحات أمراء الامارات