
أنعم الله على بلدنا السودان بتنوع قبلي وإثني كبير، وجعله ذاخر بالتعدد الإجتماعي والثقافي، والذي يعتبر نعمة في إطار الوحدة، وقد أراد بعض الجهلاء وسماسرة السياسة تغييره لنقمة، فامتدت مؤخراً ساحات القتال على مواقع التواصل الإجتماعي، واستخدم بعضهم لغة الاستقطاب الحاد وعبارات الاقصاء : (هم) و (نحن)، في لغة يغلب عليها التنابز والسخرية الموجعة، والإشارات النابية، لغة الصدام والانفعال حيث لا مكان للعقل أو التحقق أو التثبت، عبر سلسلة من التغريدات تتكرر بإعادة النشر، والتعليق على التعليق، وإنشاء الوسوم، وهكذا يتم بث الكراهية والعنصرية وتُنفث السموم على شكل صور وفيديوهات، وتغريدات تؤجج مشاعر الكراهية والبغض والعداء نحو الآخر وتغرس التنميط السلبي، هذا الخطاب الاقصائي أصبح يهدد السلم والأمن وسط مجتمعنا، وأداة يستخدمها بعض الجهلاء والسياسيين لضرب كل من يعارضهم وجهات النظر، خطاب تعلو فيه لغة الشتائم والاستعلاء على الآخر وتحقيره، وإقصائه، حتى أصبح عنواناً على صدق الإنتماء، ودعوة للتمركز حول الذات ورفض التغاير .
والمعلوم أن الخطيئة الأولى التي ارتكبت في هذا الكون كان دافعها عنصري، تمثلت في قول إبليس لعنه الله؛ ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، فأصبح هو مؤسس العنصرية والطبقية الأول، فالجهلاء تصور لهم أدمغتهم، وذواتهم المتضخمة بأنهم مختلفون، بينما يخبرنا الله تعالى؛ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،المعيار فقط… (أتقاكم) وليس اللون ولا الامتياز العرقي والاثني، والإسلام في صدره الأول جمع تحت رايته الحبشي والرومي والعربي والفارسي وكل أجناس العالم ولم يفضل أحد منهم على الآخر، يقول النبي ﷺ: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ)…
نحتاج لإنهاء هذه الحرب ووضع حد لها، لهزيمة جيوش العنصرية، ولمواجهة هذا الخطاب بتفكيك حصون الخوف والفوبيا من الآخر، مع تعزيز الخطاب المعتدل والمتسامح، ولنستعجل ذلك قبل أن يستفحل هذا الداء …فمثل هذا الخطاب المرفوض دينياً له تأثيره السلبي على الأخلاق وإثارة الدوافع للسلوك العدواني، والتحدي المطروح الآن – وما بعد الحرب – على المثقفين، ورجال الدين و السياسة هو كيفية الخروج من الولاءات القبلية الضيقة، والعودة الى المبدأ الديني والقومي، الذي هو الجامع المشترك بين السودانيين.