
مأساة معسكر زمزم: صرخة مدوية في وجه الصمت الدولي
في قلب ولاية شمال دارفور، وتحديدًا في مدينة الفاشر، يتكشف فصل مروع من فصول الصراع السوداني الدامي. معسكر زمزم للنازحين، الذي كان يفترض به أن يكون ملاذًا آمنًا لمن فقدوا ديارهم، تحول إلى ساحة إبادة حقيقية، حيث تنفذ مليشيا مسلحة جرائمها بدم بارد ودون أدنى اكتراث بالعواقب أو الخوف من المحاسبة.
شهادات مروعة يرويها الشيخ واثق جمال دارفور، أحد قادة هذا المعسكر المنكوب، ترسم صورة قاتمة لوضع إنساني يزداد تدهورًا يومًا بعد يوم. فالمليشيا المتمردة لا تتردد في اقتحام المعسكر وإطلاق الرصاص العشوائي على المدنيين العزل، مخلفة وراءها قتلى وجرحى، بالإضافة إلى عمليات السلب والنهب والترويع التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة هؤلاء النازحين.
تأكيدًا لهذه الفظائع، أعلن والي ولاية شمال دارفور، نمر محمد عبد الرحمن، عن تعرض المعسكر لهجوم مباشر من قبل قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين. وفي ظل هذه الظروف القاسية، تبدو جهود الحكومة الولائية قاصرة عن توفير الحماية والاحتياجات الأساسية للسكان المحاصرين.
إن ما يحدث في معسكر زمزم لم يعد مجرد اشتباكات عابرة، بل يرقى، وفقًا لوصف المراقبين والناشطين، إلى مستوى “القتل الممنهج” و”التطهير العرقي”. فالمليشيا تستهدف قبائل بعينها، وتسعى إلى تهجير السكان قسرًا من منازلهم، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية.
تتجاوز المأساة حدود القتل المباشر، لتشمل حصارًا خانقًا يمنع وصول الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب إلى النازحين. شهادات الشهود تؤكد أن الجوع والعطش يفتكان بالأرواح، وأن الموت البطيء يلاحق القاطنين في هذا المعسكر المحاصر. بل إن الأمر وصل إلى حد استهداف ممنهج لقادة المجتمع المحلي والعاملين في المنظمات الإنسانية، في محاولة لترويع السكان ومنعهم من الحصول على أي شكل من أشكال المساعدة.
في خضم هذه الفظائع، يرتفع صوت الاستغاثة من قادة المجتمع المدني وقوى الثورة في ولاية شمال دارفور، مطالبين المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية بالتدخل الفوري والعاجل لحماية المدنيين ووقف جرائم المليشيا. تحذيراتهم تدق ناقوس الخطر، مؤكدة أن الوضع الإنساني يتدهور بوتيرة سريعة وأن حياة الآلاف من النازحين أصبحت على المحك.
بينما تستقبل مستشفيات الفاشر أعدادًا متزايدة من الجرحى، تشير التقارير الطبية إلى نقص حاد في الإمدادات والأدوية والمعدات الجراحية، مما يزيد من صعوبة تقديم الرعاية اللازمة للضحايا.
في هذا السياق المأساوي، يبرز سؤال ملح: إلى متى سيستمر صمت المجتمع الدولي المريب تجاه ما يحدث في معسكر زمزم وفي عموم ولاية شمال دارفور؟ ناشطون وحقوقيون يطالبون بتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، والضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال وحماية المدنيين. إن التقاعس عن التحرك الفوري لن يؤدي إلا إلى تشجيع المليشيا على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحق الأبرياء، وسيكتب فصلًا أسودًا جديدًا في تاريخ الإنسانية.
إن الحصار المفروض على معسكر زمزم ليس مجرد تضييق، بل هو أضعف ما يمكن تصوره من رد فعل دولي تجاه هذه المأساة. والأكثر إثارة للقلق هو ما ورد عن رفض مركز تحقيق التحقيق في مقتل خمسة عشر ضحية، وهو ما يثير علامات استفهام حول جدية المجتمع الدولي في محاسبة الجناة.
إن معسكر زمزم ليس مجرد بقعة جغرافية نائية، بل هو رمز لمعاناة إنسانية تستصرخ الضمائر الحية في كل مكان. التدخل العاجل والفاعل من قبل المجتمع الدولي لم يعد مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لوقف نزيف الدماء وحماية أرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين باتوا يواجهون خطر الإبادة الحقيقية.