المتنكرون في ثوب “الدعم” في السودان: التدخلات الخارجية بين أطماع النفوذ ومعركة السيادة

المتنكرون في ثوب “الدعم” في السودان: التدخلات الخارجية بين أطماع النفوذ ومعركة السيادة
منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018 وما تلاها من تحولات سياسية، ظل السودان ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، حيث تتقاطع فيها مصالح إقليمية ودولية تبحث عن النفوذ والموارد والمواقع الإستراتيجية.
هذه التدخلات، التي تنوعت بين الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لأطراف النزاع، لم تتوقف، بل تطورت إلى مخططات أكثر تعقيداً تستغل هشاشة الوضع الداخلي وانقسام القوى الوطنية. والنتيجة: إطالة أمد الصراع، وإعادة تشكيل موازين القوى بما يخدم مصالح الخارج على حساب السيادة السودانية ووحدة البلاد.
أولاً: أطماع خلف عباءة “الدعم”
التدخلات في الشأن السوداني ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكم عوامل تاريخية وجيوسياسية واقتصادية وأمنية.
فمنذ سقوط حكومة البشير في أبريل 2019، تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية، ظاهرها دعم، وباطنها تقويض الدولة الوطنية وتقاسم النفوذ ونهب الموارد.
ثانياً: الجغرافيا السياسية.. لعنة ونعمة
يقع السودان في موقع إستراتيجي عند مفترق الطرق بين شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، ويطل على البحر الأحمر بساحل يتجاوز 800 كيلومتر.
هذا الموقع جعله محط أنظار القوى الكبرى، لكن هشاشة الداخل وانقسامه السياسي جعل التدخل الخارجي أكثر سهولة وتأثيراً.
ثالثاً: هشاشة الداخل واستغلال الخارج
الانقسام بين المكونات المدنية والعسكرية، وظهور مليشيات موازية مثل قوات الدعم السريع، خلق واقعاً أمنياً هجيناً استغلته القوى الأجنبية عبر:
-
التمويل السياسي.
-
التسليح.
-
مشاريع اقتصادية واستخباراتية تحت مسمى “دعم الاستقرار” أو “مكافحة الإرهاب”.
رابعاً: التدخلات لا تخدم إلا مصالح أصحابها
رغم الشعارات المعلنة، فإن القوى الخارجية لا تسعى إلى:
-
دعم الانتقال الديمقراطي.
-
إنهاء الحرب.
-
بناء السلام.
-
إنقاذ الاقتصاد.
بل تسعى للسيطرة على الموانئ السودانية الإستراتيجية، والحفاظ على امتيازات اقتصادية، واستخدام السودان كورقة ضغط في صراعات دولية مثل الحرب في أوكرانيا أو الاتفاق النووي الإيراني أو حتى الصراع في غزة.
خامساً: حرب الآخرين فوق أرضنا
الحرب الحالية ليست مجرد صراع داخلي، بل حرب بالوكالة بين قوى إقليمية تبحث عن النفوذ:
-
بعض الدول تموّل أطرافاً.
-
أخرى تمدها بالسلاح.
-
ثالثة تعمل على تدويل الأزمة لإطالة نفوذها.
سادساً: السيادة ليست شعاراً بل معركة
استعادة القرار الوطني تتطلب:
-
بناء جبهة داخلية توافقية.
-
إطلاق مشروع وطني جامع ودستور دائم.
-
حصر السلاح بيد الجيش الوطني المهني.
-
ضبط العلاقات الخارجية وفق معايير المصالح الوطنية لا التبعية.
خاتمة: متى نكف عن استدعاء الخارج؟
التدخلات ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة فراغ داخلي وانقسامات وطنية.
والسؤال الأهم اليوم:
-
متى نملك شجاعة القول: هذه بلادنا وسنحرر قرارها بأيدينا؟
-
متى نتوقف عن الارتهان للخارج الذي لن يصنع لنا وطناً، بل يسعى إلى اقتسام ما تبقى منه؟
إن السيادة السودانية لن تُحمى بالشعارات، بل بإرادة وطنية صلبة، تعيد توحيد الصف الداخلي وتغلق أبواب التدخلات الأجنبية.